الطاعة وإتقانها، والإتقان مطلوب على كل حال، لكنه ليس دليلا كما نرى على استقامة الحال، وإذا كان الخروج من الدين والمروق منه متوقعا بل واقعا كما أخبر الصادق مع ذلك الحرص؛ فكيف بما دونه من سوء الخلق وظلم العباد، ونشر الفساد تحت ستار خادع تعمد الفاعل ذلك أو جهله، فالتزام الطاعات عموما والعبادات خصوصا في الصورة لا يغني وحده إذا لم يترتب عليه أثره، وإن كنا ندعو إليه، ونحرص عليه، وهذا إذا كانت الصورة صحيحة لقوله ﷺ:«يحقر أحدكم،،، الخ، والمخاطبون خير من عرف صورة العبادة وجمع إليها مقصد الشارع منها، وهو لبها وروحها، فكيف إذا كانت الصورة فيها ما رأيت؟، ولهذا فلا تعجب إذا سمعت قول النبي ﷺ: «أكثر منافقي أمتي قراؤها»، رواه أحمد وغيره عن ابن عمرو، وقد روى أحمد والبزار وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة ﵁ قال:«جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: «يا رسول الله إن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها»، قال:«هي في النار»، قال:«يا رسول الله فإن فلانة يُذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها»، قال:«هي في الجنة»، وهو في صحيح الترغيب للألباني ﵀، والأثوار هي قطع الأقط جمع ثور، والأقط بفتح الهمزة وكسر القاف هو اللبن المجفف، ولا ريب أن هذا في الصلاة والصيام والصدقة المتطوع بها، لا في المفروض منها، والمكثر من النوافل غالبا يحافظ على الفرائض، ومع ذلك ما أغنت عنه الكثرة في النجاة من العذاب.
وروى مالك عن يحي بن سعيد أن عبد الله بن مسعود قال لإنسان:«إنك في زمان كثير فقهاؤه قليل قراؤه، تُحفظ فيه حدود القرآن وتُضَيَّعُ حروفه، قليل من يسأل كثير من يعطي، يطيلون فيه الصلاة، ويقصرون الخطبة، يبدون أعمالهم قبل أهوائهم، وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه، كثير قراؤه، تُحفظ فيه حروف القرآن وتُضَيَّعُ حدوده، كثير من يسأل، قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة، ويقصرون الصلاة، يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم»، قال ابن عبد البر في الاستذكار (٢/ ٣٦٣): «قد روي عن ابن مسعود من وجوه متصلة حسان متواترة»، انتهى، وفيه كما ترى أن كثرة قارئي القرآن دليل على تغير الزمان، لكن لا ينبغي أن ندعو إلى خلاف ذلك، لأن هناك فرقا بين كون الشيء علامة على التغير