التوبة، وهي تقبل من العبد ما لم يغرغر، روى ذلك الترمذي عن عبد الله بن عمر، وهو في سنن ابن ماجة عن ابن عمرو، وقد نبه ابن كثير في تفسيره على أنه وهم.
وقوله:«ما لم يغرغر»، أي ما لم تبلغ روحه حلقومه بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به المريض، وهو أن يجعل المشروب في الفم ويردد إلى أصل الحلق ولا يبلع، قال نحوه في النهاية، وقال الله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨)﴾ [الأنعام: ١٥٨]، ومن تلك الآيات طلوع الشمس من مغربها كما هو عند الشيخين وأبي داود وابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي ﷺ:«لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن من عليها، فذلك حين ﴿لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾، قال ابن كثير: «إذا أنشأ الكافر إيمانا يومئذ لم يقبل منه، فأما من كان مؤمنا قبل ذلك فإن كان مصلحا في عمله فهو بخير عظيم، وإن لم يكن مصلحا فأحدث توبة حينئذ لم تقبل منه توبته، كما دلت عليه الأحاديث، وعليه يحمل قوله تعالى: ﴿أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾، أي لا يقبل منها كسب عمل صالح، إذا لم يكن عاملا به قبل ذلك»، انتهى، وقال الشيخ علي العدوي في حاشيته على شرح أبي الحسن:«وتقبل توبة المؤمن ولو بعد الغرغرة، ولو بعد طلوع الشمس من مغربها، بخلاف الكافر فيهما إلا أن يكون معذورا لصباه، أو جنونه فيقبل منه إسلامه على ما ارتضاه علي الأجهوري»، انتهى، وقد أثبته النفراوي في شرحه أيضا وهو مردود بالأحاديث الواردة في قبولها بما قبل الغرغرة، وظاهر الآية المتقدمة، ونص عليه قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨)﴾ [النساء: ١٨]، وإنما لم تقبل حينئذ لأن الكافر يستيقن فيكون كالمكره على الإيمان، إذ لا اختيار له، وكذلك العاصي، فلا يعتد بأعمال هؤلاء، لأن زمان التكليف انقضى، وشرط صحة العمل الاختيار، أما القول بصحة من أكره على الإيمان إذا أذعن فيما بعد لقول النبي ﷺ:«عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل»، رواه أحمد والبخاري وأبو داود عن أبي هريرة، فلأنه ممن يستقبلون الحياة فيكون لهم الاختيار بعد، وربما استثنيت بعض الذنوب من هذا الأصل، أعني قبول التوبة، كقاتل المؤمن متعمدا، وقد