تقدم في جزء العقيدة، وشارب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما، فإن تاب؛ تاب الله عليه، وقال في الرابعة:«فإن عاد كان على الله حقا أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة: عصارة أهل النار»، جاء ذلك في حديث ابن عمرو عند أحمد وغيره، وقال الشيخ البنا في الفتح الرباني:«هذه مبالغة في الزجر والوعيد الشديد، وإلا فقد ورد: «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة»، رواه أبو داود والترمذي عن أبي بكر الصديق، انتهى.
قلت: الحديث استغربه الترمذي، وفيه أبو نصيرة مولى أبي بكر، وهو ضعيف، ولو صلح للاحتجاج لكان عاما فيبنى العام على الخاص، ولا يجوز أبدا أن يستحضر المرء وهو منهمك في المعاصي هذا الحديث لو صح لأن المراد منه أن من حصل ذلك منه فباب التوبة مفتوح أمامه، وما أعظم الفرق بين الأمرين، وقد روى الترمذي عن معاوية مرفوعا:«من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه»، والحكمة في ذلك والله أعلم أن حد الجلد لم يعد نافعا له في تكفير الذنب، لكن جمهور أهل العلم على أن هذا الحديث منسوخ لأن النبي ﷺ أُتِيَ بمن شرب الخمر في الرابعة فلم يقتله.
واعلم أيها المؤمن أن جعل الغرغرة حَدًّا لقبول التوبة لا يعني أنها مثل توبة من يتوب وهو صحيح شحيح، ولذلك أخبر الله تعالى أنه يتوب على من يتوب من قريب، أي قرب حصول التوبة من وقوع الذنب، قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧)﴾ [النساء: ١٧]، أما إن عاود الذنب واستمر عليه وأصر فإن نفسه تتسخ وتتدسى فيصعب أن تتطهر، ولهذا سكت عنه، أما من تأخرت توبته إلى حضور موته فقد دل كتاب الله تعالى على عدم قبولها، وجاء في حديث النبي ﷺ ما علمته، فينبغي وضع كل شيء في موضعه، بحيث يوسع ما وسعه الله ورسوله، ويضيق ما ضيقاه، ولا يذكر مثل حديث الغرغرة إلا ليبين به سعة فضل الله، ويستعمل في ميدان الدعوة إلى المبادرة بالتوبة، لأن المرء لا يدري متى يأتيه الموت، ولكل مقام مقال.