نقصه، وقد تقدم الكلام على السواك غير مرة، وآخرها أوائل الباب الذي قبل هذا، فأما قص الشارب فقد بين المؤلف أن المراد به إزالة «طرف الشعر المستدير على الشفة»، يعني العليا، والإطار هو ما يحدق بالشيء أي يحيط به، فإذا فعل ذلك ظهر شيء من طرف الشفة، وقد فسر بعضهم الإحفاء بمعنى الاستئصال بهذا، وقد جاء الأمر بقص الشارب كما سيأتي عند الكلام على إعفاء اللحية فيكون واجبا، لاسيما وقد قال النبي ﷺ:«من لم يأخذ من شاربه فليس منا»، رواه أحمد والترمذي والنسائي عن زيد ابن أرقم ﵁، وفيه تقوية لمذهب من رأى أن الشارب لا يستأصل كما هو مذهب مالك وسيأتي، وهكذا ما جاء من ربط ذلك بمخالفة أهل الكتاب والمجوس والمشركين، والظاهر أنه لا يشرع استئصال الشارب اعتمادا على ما جاء من الأمر بالإحفاء، فهذا وإن كان محتملا إذا نظر إلى اللفظ بمفرده؛ فإن الصواب هو الجمع بين الألفاظ الواردة في الأحاديث ورد بعضها إلى بعض، كما يجمع بين الأدلة المتعارضة، لاسيما إذا كان مخرج الحديث واحدا، وقد جاءت فيه ألفاظ مختلفة منها أنهكوا وأحفوا عن ابن عمر، وقصوا وجزوا عن أبي هريرة، وستراه في الفقرة الآتية، فتحمل على التقليل من الشوارب على الصفة المتقدمة، والجز والإنهاك قابلان للمعنى الذي تجتمع عليه هذه الألفاظ، فإن الجز هو قص الشعر والصوف، والإنهاك هو الإجهاد، ثلاثيه نهك، يقال نهكته الحمى جهدته وأضنته ونقصت لحمه، هذا معنى ما في لسان العرب، والإحفاء وإن كان معناه الاستئصال، فإن من معناه أيضا الانتقاص على وجه المبالغة، قال ابن الأثير:«ومنه الحديث أمر أن تحفى الشوارب أي يبالغ في قصها»، انتهى، ولأن حلق الشوارب يؤدي إلى اتساع المساحة التي يغطيها الشعر، فإن الزغب إذا حلق اشتد واسود، ومالك وهو راوي الحديث الذي فيه الإحفاء لم يفهم منه الحلق، وهذا هو الذي ينبغي عمله مع جميع النصوص التي جاءت بألفاظ مختلفة، فلا يصح أن يتعلق كل فريق بلفظ منها ويأخذ منه الحكم، ومن ذلك لفظا الإتمام والقضاء فيما على المسبوق أن يفعله بعد سلام إمامه، قال مالك: يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة، وهو الإطار، ولا يجزه فيمثل بنفسه»، انتهى، وقد قال ابن القاسم عن مالك إحفاء الشارب عندي مثلة، وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه، ويقول تفسير حديث النبي ﷺ إحفاء