الخوارج يحلقون رؤوسهم، وليس كل ما يوصف به من ذمه الشرع يكون ممنوعا، فإن ثبت هذا الذي قلته فذاك، وإلا فدلالة الحديث على التحريم بينة، وهو الذي أراه.
وقد ذهب النووي ﵀ إلى التحريم، بعد أن أورد كلاما لأهل العلم ممن يرى خلاف ذلك، وتعقبه الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار (٩/ ٢٦١) فقال: «إن هذا الإصرار من النووي -رحمه الله تعالى- على تصحيح مذهب أصحابه، وجعله أوفق للسنة من غريب تعصبه لهم، بعد العلم بعمل بعض عظماء الصحابة والتابعين بخلافه، وسائر ما نقله عن القاضي وغيره في المسألة، ومنه قول الإمام الطبري من أن الأمر في هذه المسألة - وكذا أمثالها - ليس للوجوب، والنهي ليس للتحريم، لأنها من أمور العادات والزينة والتجمل بين الناس، وما نقله عنه وعن غيره من كونها تختلف باختلاف السن، وباختلاف العادة والأحوال بين الناس، ويعبر فيها الذوق في الزينة هو الصواب كما قال الطبري، وأي مدخل للتحريم في مثل هذا، ولا محرم في الشريعة السمحة إلا ما كان ضارا؟.
قلت قوله: «وأي مدخل للتحريم في مثل هذا لأنها من أمور العادات والزينة … الخ، من الكلام العجيب الغريب من هذا العالم، فمتى كانت العادات محظورا على الشرع أن يمنع منها ما يشاء؟، وهل خفيت عليه الأمور التي هي كذلك، ولا يختلف الناس في تدخل الشرع فيها؟، أما أنه لا محرم في الشريعة السمحة إلا ما كان ضارا؛ فنعم، لكن هل أحطنا نحن بكل ما يضرنا؟، مع أن المناسبة واضحة في هذا المنع وهي التلبيس بظهور المرء على غير صفته، وإلا فإن من أعظم من الضر أن نخالف ما نهينا عنه عرفنا ضره أو لم تعرف، ويقوي الحديث ما سيأتي من النهي عن نتف الشيب فإنه قريب من النهي عن الصبغ بالسواد.
أما الاحتجاج بأن الصحابة مختلفون في هذا الأمر، وأن بعض كبارهم قد صبغوا بالسواد فليس بحجة، وإلا لكان كل ما اختلفوا فيه كذلك، ومن لم يبلغه النهي فلا حرج عليه.
ثم قال عن حديث ابن عباس السابق إنه: «ضعيف متنا وسندا، بل قال ابن الجوزي إنه موضوع، ويؤيده أن من آيات الوضع في متنه الوعيد بالحرمان من رائحة الجنة على أمر