للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من العادات، ولا يحرم من الجنة إلا الكافر بالمعنى الأخص، دع مخالفته لحديث الصحيحين، وفي سنده عبد الكريم غير منسوب، والظاهر أنه ابن أبي المخارق، وهو ضعيف، فإن قيل: يحتمل أنه الجزري الذي روى عنه الشيخان قلنا: التصحيح لا يثبت بالاحتمال، ولا سيما في أمر مخالف لأصول الشرع كهذا الوعيد، وإن ابن حبان منع من الاحتجاج بما ينفرد به عبد الكريم الجزري كهذا الحديث»، انتهى.

قلت: رد المنذري وابن حجر على ابن الجوزي اعتبار حديث ابن عباس موضوعا، وبيَّنَا أن عبد الكريم هذا هو ابن مالك الجزري، وهو ثقة.

أما أن الحديث مخالف لأصول الشرع باعتبار هذا الوعيد العظيم على هذا الأمر الذي يعتبره هو خفيفا؛ فجوابه أن الكلام فيمن بلغه النهي، ثم اقتحمه، ولم يتب منه، ومات مصرا عليه، ولم يغفره الله له، ولم يكفر ذنبه بالمكفرات الكثيرة، ففيم الاستغراب؟، وقد تكرر ما يشبه هذا الأمر من هذا العالم في تفسيره الذي لم يكتب مثله، ومع هذا قل انتفاع الناس به، ومن اجتنب هذا الذي أشرت إليه يرجى له خير كثير من هذا التفسير.

ويذكر للمناسبة أن هشيما كان يخضب بالسواد فأتاه رجل فسأله عن قول الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧)[فاطر: ٣٧]، فقال: «قد قيل إنه الشيب»، فقال له السائل: «فما تقول فيمن جاءه نذير من ربه فسود وجهه»؟، فترك هشيم الخضاب بالسواد»، انتهى.

وقد روى الترمذي وحسنه عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله نهى عن نتف الشيب، وقال: «إنه نور المسلم» وهو في شعب الإيمان للبيهقي بأزيد منه، قال ابن العربي في العارضة: «الصحيح أن الشيب وقار، وإنه لنور في المعنى، لكن لم يصح لفظا، وصحته من جهة المعنى أنه ينذره بالفناء فيبصر العاقبة وينظر لها،،، إلى أن قال وإنما يحمله على النتف حبه للنساء، ورغبته في الدنيا، فإن بياض الشعر سواد في أعين الغواني، وقد أنشدني بعض أصحابنا في المذاكرة في المسجد الأقصى:

ورائدة للشيب لاحت بمفرقي … فعاجلتها بالنتف خوفا من الحتف

فقالت على ضعفي استطلتَ وقلتي … رويدك للجيش الذي جاء من خلفي

<<  <  ج: ص:  >  >>