ثم لا يخفى أن الأمر في قوله ﷺ:«فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»، وفي قوله:«اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» موجه لأصحابه أنفسهم، إن لم يكن خاصا بهم، على أن يدخل غيرهم معهم بالقياس، وإذا كان الأمر موجها إليهم أصالة فكيف بغيرهم؟.
قال ابن القيم:«ونحن نشهد الله علينا شهادة نسأل عنها يوم القيامة أنه إذا صح عن الخليفتين الراشدين اللذين أمرنا رسول الله ﷺ باتباعهما والاقتداء بهما قول وأطبق أهل الأرض على خلافه لم نلتفت إلى أحد منهم».
وقال الإمام ابن تيمية: تعليقا على حديث العرباض: «فهذا أمر وتحضيض على لزوم سنة الخلفاء وأمر بالاستمساك بها، وتحذير من المحدثات المخالفة لها، وهذا الأمر منه والنهي؛ دليل بين في الوجوب، ثم اختص من ذلك قوله: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر»، فهذان أمر بالاقتداء بهما، والخلفاء الراشدون أمر بلزوم سنتهم، وفي هذا تخصيص للشيخين من وجهين: أحدهما أن السنة ما سنوه للناس، وأما القدوة فيدخل فيها الاقتداء بهما فيما فعلاه مما لم يجعلاه سنة، أن السنة أضافها إلى الخلفاء لا إلى كل منهم، فقد يقال (إما) ذلك فيما اتفقوا عليه، دون ما انفرد به بعضهم، وأما القدوة فعين القدوة بهذا وبهذا وفي هذا الوجه نظر» (١).
قلت: قد سبق القول بأن هذا الأمر لو كان منوطا بما اتفقوا عليه جميعا؛ لتعذر العمل على وفقه إلا بعد تولي علي ﵁ الخلافة؛ فضلا عن غيره، إذ وصف الخلافة لم يكن معروفا لهم إلا بعد أن تولوها، فيكون الأمر بالتمسك بسنتهم ليس موجها إلا لمن عاش حتى تولى علي، ولعل هذا هو الذي جعل الإمام ابن تيمية يقول في آخر كلامه السابق:«وفي هذا الوجه نظر»، وما أحسن قول ابن القيم ﵀:«وبالجملة فما سنه الخلفاء الراشدون أو أحدهم للأمة فهو حجة لا يجوز العدول عنها»(إعلام الموقعين: ٢/ ٢٢٦).