للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يتلعثم في بيان ذلك، وعلى مثل هذا الحمل يحمل ما صح عنه من قوله: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» (١)، وما صح عنه من قوله : «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين الهادين» (٢)، اعرف هذا واحرص عليه، فإن الله لم يجعل إليك ولا إلى سائر هذه الأمة رسولا إلا محمدا ولم يأمرك باتباع غيره، ولا شرع لك على لسان واحد من أمته حرفا واحدا».

وهذا كلام فيه كثير من الحق، لكنه ليس كافيا في فهم معنى الحديث، بل فيه شيء من التعطيل له، نعم إنهم بحكم ملازمتهم للنبي ومعاصرتهم للوحي يفهمون من تصرفاته ومقاصده ما لم ينقلوه نقلا، فإن أبا بكر الصديق لم يكن من المكثرين للرواية عن النبي ، ومع ذلك فإنه لا يكاد يعثر له على شيء خالف فيه السنة .

وقد روى ابن عبد البر في الاستذكار، باب ترك الوضوء مما مست النار، آثارا تدل على هذه المزية التي لأبي بكر وعمر، منها أن مكحولا كان يتوضأ مما مست النار، حتى لقي عطاء بن أبي رباح، فأخبره عن جابر أن أبا بكر الصديق أكل ذراعا أو كتفا ثم صلى ولم يتوضأ، فترك مكحول الوضوء، فقيل له: أتركت الوضوء؟، فقال: لأن يقع أبو بكر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يخالف رسول الله .

وذكر عن مالك بن أنس قوله: «إذا جاء عن النبي حديثان مختلفان وبلغنا أن أبا بكر وعمر عملا بأحد الحديثين وتركا الآخر، كان فيه دلالة على أن الحق فيما عملا به».

فلو كان الأمر على ما ذهب إليه هذا الإمام لما كان للخلفاء الراشدين مزية على بقية الصحابة، فكيف يصنع بوصف الخلافة وهو قدر زائد على وصف الصحبة؟، وكيف يصنع بحديث الأمر بالاقتداء بالعمرين، وقد خصهما من بين الصحابة بذلك؟، فجعل الشوكاني الأحاديث الثلاثة كلها أمرا واحدا إذ سوى بين من فاضل بينهم في هذا الأمر رسول الله .


(١) رواه الترمذي (٢٨٩٥)، وابن ماجه (٩٧).
(٢) انظر «صحيح ابن ماجه» (٤٢)، والإرواء (٢٤٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>