للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحابي» (١)، ومن المتعذر أن يكون المراد ما عليه أصحابه في حياته، فإنه لا كلام لهم معه فيما الشأن فيه التوقيف، ولا يُحتاج إلى الإجماع في حياته، ولذلك قيد الإجماع بكونه بعد موته ، والمقصود أنه لو كان المراد بسنة الخلفاء الراشدين ما نقل عنه من الأقوال والأفعال والتقريرات ما ساغ نسبة ذلك للخلفاء، فكأنه قال عليكم بسنتي، وسنتي.

ومن العجب أن يعدل الإمام ابن حزم عن هذا الأمر الظاهر، فيتأول في فهم الحديث على غير عادته، ومما قاله في هذا المقام: «قد علمنا أنه لا يأمر إلا بما يقدر عليه، وجدنا الخلفاء الراشدين من بعده قد اختلفوا اختلافا شديدا، فلا بد من ثلاثة أوجه لا رابع لها: إما أن نأخذ بكل ما اختلفوا فيه، وهذا باطل، أو نأخذ بأي ذلك شئنا، وهذا خروج عن الإسلام، والثالث أخذ ما أجمعوا عليه وليس ذلك إلا فيما أجمع عليه سائر الصحابة، والرابع أن يكون أمر باتباعهم في اقتدائهم بسنته فهكذا نقول، ليس يحتمل هذا الحديث غير هذا الوجه أصلا» (٢).

ولا يخفى عنك أن قوله: «والثالث أخذ ما أجمعوا عليه، وليس ذلك إلا فيما أجمع عليه سائر الصحابة»؛ معارضة للنص بمحض الرأي، فضلا عن كون الأمر باتباع سنتهم منوطا بوصف الخلافة، فلو قيل إن ذلك هو ما أجمعوا عليه لما تأتى امتثال هذا الأمر إلا بعد تولي آخرهم الخلافة، أما ما اختلفوا فيه فإن كان اجتهادا منهم في غيبة الدليل؛ فمن أخذ باجتهاد أي منهم كفاه.

ومثله العلامة الشوكاني فإنه قال في إرشاد الفحول تعليقا على حديث: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهديتم» (٣) «على أنه لو ثبت من وجه صحيح لكان معناه أن مزيد علمهم بهذه الشريعة المطهرة الثابتة من الكتاب والسنة، وحرصهم على اتباعها، ومشيهم على طريقتها؛ يقتضي أن اقتداء الغير بهم في العمل بها واتباعها هداية كاملة، حتى لو قيل لأحدهم: لم قلت كذا؟، لم فعلت كذا؟، لم يعجز عن إبراز الحجة من الكتاب والسنة،


(١) انظر «الصحيحة» تحت الحديث (٢٠٤).
(٢) «الإحكام»: (٢/ ٢٣٩ و ٢٤٠).
(٣) انظر «الضعيفة» (٥٨) للألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>