كغسل الجنابة والحيض والنفاس ومنها ما هو مؤكد قد تنوزع في وجوبه، كغسل الجمعة، ومنها ما هو مستحب، وهذه الأغسال لا تمكن في البلاد الباردة إلا في حمام، وإن اغتسل في غير حمام خيف عليه الموت، أو المرض، فلا يجوز الاغتسال في غير حمام حينئذ»، انتهى.
وأذكر أن مجلسا جمعني ببعض إخواني بمدينة عين الحجر فجرى الكلام فيه على ذهاب المرأة للحمام فذكرت الحديث المتقدم، وما رأيته من جواز ذهابها للضرورة مع التحفظ واختيار الوقت المناسب والحمامات الفردية الخاصة بالنساء، وعين الحجر يومئذ لم يكن الغاز قد أدخل إليها مع برودتها في فصل الشتاء، وقد علمت أن بعض النساء مرضن وعانين من ظهورهن، فذكر بعض إخواني الذين أحبهم خلاف ما قلت، فقلت له: وما تفعل بالصلاة؟، قال: تتيمم، فقلت ممازحا: هب أنها جاز لها أن تتيمم فما تفعل في دفع النتن عن نفسها وإزالة الدرن الذي قد يكون سببا في إذاية الغير وفي نفرة زوجها منها؟، فأمسك عن الكلام.
ومما قاله ابن تيمية في هذا المعنى في مجموع الفتاوى:«الرجل إذا شعث رأسه وقمل وتوسخ بدنه كان ذلك مؤذيا له ومضرا حتى قد جعل الله هذا مما يبيح للمحرم أن يحلق شعره ويفتدي … ، وقد تكون إزالة هذا الأذى والضرر في غير الحمام إما متعذرة، وإما متعسرة، فالحمام لمثل هذا مشروع مؤكد، وقد يكون فيه من المرض ما ينفعه فيه الحمام، واستعمال مثل ذلك إما واجب وإما مستحب وإما جائز، وقد يوجب الحمام له من الراحة ما يستعين به على ما أمر به من الواجبات والمستحبات، ودخولها حينئذ بهذه النية يكون من جنس الاستعانة بسائر ما يستريح به كالمنام والطعام كما قال معاذ لأبي موسى: «إني أنام وأقوم، وأحتسب نومتي، كما أحتسب قومتي»، انتهى ببعض تصرف.
والذي ذكرته في مسألة ذهاب المرأة إلى الحمام هو أخي وصديقي معمر بالشارف حفظه الله، وهو واحد من الذين دأبوا على نشر السنة والدعوة إلى التوحيد مع الصبر على الأذى في مدينة عين الحجر، وقد تأثر في هذا الشأن بسلفه في العمل الدعوي السني في هذه المدينة الشيخ الفاضل عبد القادر بوزيان، لقد سبق إلى هذا الأمر منذ أزيد من ثلاثة عقود وعانى من التضييق والأذى ما عانى، تداولت على أذاه أطراف مختلفة، لا يجمعها إلا