يتلف ما كانت الصورة فيه متى أمكن الاستفادة منه كأن يكون ثوبا أو قراما مثلا، لأنه مال، وقد نهينا عن إضاعة المال، إلا أن تعظم المفسدة، وليس حكم الاستعمال براجع على أصل صنع الصورة بالجواز، لأن الصنع يدخل في عموم الوعيد على التصوير، والظاهر أنه يصدق على ما كان غير ذي ظل فضلا عما كان ذا ظل، ومن حمل الوعيد الذي جاء في شأن التصوير على ما كان ذا ظل فقد أخطأ، وقد ذهب إلى هذا النفراوي ﵀، يدل على ما قلت ما رواه البخاري عن القاسم عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فقام النبي ﷺ بالباب فلم يدخل، فقلت:«أتوب إلى الله ما ذا أذنبت»؟، فقال:«ما هذه النمرقة»؟، قلت:«لتجلس عليها وتوسدها»، قال:«إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصورة»، النمرقة بكسر النون والراء وضمهما جمعها نمارق هي الوسادة، ولا شك أن الصور هنا ليست ذات الظل، وهناك التصوير الذي هو حبس الظل، فهذا والله أعلم لا يدخل في الوعيد، لكن المخالفة فيه قد تأتي من الشيء الذي يصور، والغرض الذي لأجله يكون التصوير، أما تعليق الصور من هذا النوع فلا يختلف في كونه ممنوعا للعموم الذي مر بك، وقد شاع استعمال صور ذوات الأرواح في الثياب حتى إنك لا تكاد تعثر على ثوب تشتريه للطفل خال من ذلك وهو ينبئ عن فساد الذوق العام وعن الجهل بأحكام الله تعالى، وإلا فأين الحسن في لحاف أو ثوب يشترى لطفل عليه صورة كلب أو قرد أو دب، بل ما فائدة قبول أذواقنا لوجود صور للاعبي كرة القدم على صدورنا مع الشك في صحة صلواتنا إن صلينا بها؟، ولا ريب أن أذواقنا لو كانت سليمة لكف الصانعون عن ذلك لأنهم إنما يبيعون ما يروج وينفق، فهم إن كانوا مسلمين يجهلون أحكام الله أو يصنعون ما يحقق لهم الأرباح ولو علموا منعه، والتاجر الصادق يربي الأذواق، كما أن المشتري يمكنه أن يُعَدِّلَ من تصرف التاجر والله الموفق وهو الهادي.
فإن قيل: فقد قال الله تعالى عما سخره لسليمان ﷺ: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (١٣)﴾ [سبأ: ١٣]، فالجواب: أنه إما أن يكون المراد من التماثيل ما لم يكن من ذوات الأرواح،