الناس به تخفيفا كما في لسان العرب، وجعله في النهاية لما يسر ويسوء، وفيه نظر.
فأما قوله ﷺ:«لا طيرة وخيرها الفأل: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم»، رواه أحمد مسلم عن أبي هريرة، وهكذا قوله:«العين حق، وأصدق الطيرة الفأل»، فإنه لا يدل على ذلك، قال الطيبي بالنقل عن فتح الباري:«قد علم أن الطيرة كلها لا خير فيها، فهذا مبني على زعمهم، وهو من إرخاء العنان في المخادعة بأن يجري الكلام على زعم الخصم، حتى لا يشمئز عن التفكر فيه، فإذا تفكر فأنصف من نفسه قبل الحق، فقوله: «خيرها الفأل»، إطماع للسامع في الاستماع والقبول … »، انتهى، أقول المقصود من الربط بينهما أن المذموم أن يعلق المرء فعله أو تركه على التطير فيحجم أو يقدم، فأما الفأل فبخلاف ذلك فهذا وجه الجمع بينهما، وفي اللسان الفأل ضد الطيرة، فهذا هو الصواب.
وقد قال رسول الله ﷺ:«لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح، والفأل الصالح الكلمة الحسنة»، رواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أنس، فنفى كلا من العدوى والطيرة، فلا يصح أن يعتقد المرء أن العدوى تعمل بنفسها، من غير تقدير الله ذلك، لكن هذا لا يمنع من أخذ الأسباب والابتعاد عن مخالطة المصاب بما يعدي، كما تقدم في حديث عبد الرحمن بن عوف في النهي عن دخول الأرض التي بها الطاعون، وكما في نهيه ﷺ أن يورد ممرض على مصح، وأمره بالفرار من المجذوم، وكذلك الطيرة؛ لا يجوز للمؤمن أن يتطير، فإن حصل له ذلك فعليه أن يمضي، فدواء الظن أن لا يحقق ودواء التطير المضي، ودواء الحسد الاستغفار.
ومثل هذا ما جاء في حديث معاوية بن الحكم السلمي الذي رواه مسلم وأبو داود، وفيه قوله يسأل النبي ﷺ:«ومنا رجال يتطيرون»؟، قال:«ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدهم»، أما إن سمع كلاما طيبا فتفاءل فلا بأس، لكن لا يتعمد فعل شيء لأجل التفاؤل، فقد عده بعضهم من الاستقسام بالأزلام، قال أبو الحسن: مثاله إذا خرج لسفر او عيادة مريض ولم يقصد سماع الفأل فسمع يا غانم، أو يا سالم، أما إن قصد سماع الفأل ليعمل عليه فلا يجوز لأنه من الأزلام»، انتهى، وقال علي العدوي: «وفي معنى هذا مما لا يجوز فعله استخراج الفأل من المصحف، فإنه نوع من الاستقسام بالأزلام، ولأنه قد