مجموع الأحاديث أن للصحابة مزية لا يشاركهم فيها من بعدهم، وهي صحبته ﷺ ومشاهدته، والجهاد بين يديه، وإنفاذ أوامره ونواهيه، ولمن بعدهم مزية لا يشاركهم الصحابة فيها، وهي إيمانهم بالغيب في زمان لا يرون فيه الذات الشريفة التي جمعت من المحاسن ما يقود بزمام كل مشاهد إلى الإيمان إلا من حقت عليه الشقاوة، وأما باعتبار الأعمال؛ فأعمال الصحابة فاضلة مطلقا، من غير تقييد بحالة مخصوصة كما يدل عليه حديث:«لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»(١).
وقد رأى بعض العلماء أن الأفضلية حاصلة لكل جيل متقدم على الجيل الذي بعده، باعتبار أن المتقدم أقرب إلى أزمنة الخير، وبالقياس على ما في الحديث، ولقول ابن مسعود ﵁:«لا يأتي يوم إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعته من نبيكم ﷺ»، والصواب أن يقال: إنه قد يظهر في بعض البلدان أو الأزمان المتأخرة من يكون من الناس أفضل ممن تقدمهم، فإن البلدان لا تتساوى في الخير والشر وإن كانت في زمان واحد، وقد ورد مدح أهل الشام، وأهل اليمن، لكن هذا لا ينفي أن القاعدة ماضية في الجملة، وأن الخير يتناقص بمرور الزمان، وقد كان بعضهم في عهد الصحابة كعائشة -رضي الله تعالى عنها- يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم … وبقيت في خلف كجلد الأجرب!!