للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البسط معهم، والطعن في الصحابة، وإيقاع الشبهة في القلب، قال مالك : إن الجدال ليس من الدين في شيء».

فتعليلهم ترك الجدال بما ذكر ينبغي أن يراعى في الحديث عن حكمه، حتى تنزل فتاوى العلماء منازلها ويتحقق من مناطاتها، وعلى هذا المعنى يحمل جواب مالك بن أنس، فإنه قيل له: «يا أبا عبد الله، الرجل يكون عالما بالسنة أيجادل عنها؟، قال: لا، ولكن يخبر بالسنة، فإن قبلت منه وإلا سكت» (١).

وقال الشافعي: «كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما أنا فعلى بينة من ربي وديني، وأما أنت فشاك، فاذهب إلى شاك مثلك فخاصمه»، ذكره الشيخ عيسى بن مسعود في مناقب مالك، وهذا لعلمه أن الحق إذا كان واضحا، وعرض عرضا ملائما؛ فإن الذي لم يفتح الله قلبه لقبوله يسهل عليه أن يتفصى منه، فما جدوى اللجوء إلى الجدال؟، ويدلك هذا على أن الجدال لم يكن يقدم عليه في عصرهم إلا أهل الأهواء.

لكن الجدال من القادر عليه إن احتيج إليه فهو مشروع، وقد يجب إن تعين دفاعا عن الحق بالحق، فإنه من جملة الجهاد.

وقد جاء في الحديث: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» (٢)، بل جاء ذكر الجهاد بالقلب أيضا في الحديث الصحيح، وهو على كل حال من درجات تغيير المنكر، وحكى الله تعالى جدال خليله إبراهيم وكليمه موسى وخطيب الأنبياء شعيب وغيرهم لقومهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فالأمر متوقف على الحاجة، وهي تختلف بحسب الزمان والمكان، يدلك على هذا قول الليث بن سعد : «بلغت الثمانين، وما نازعت صاحب هوى قط»، انتهى، قال الذهبي في السير في ترجمته معلقا: «كانت الأهواء والبدع خاملة في زمن الليث، ومالك والأوزاعي، والسنن ظاهرة عزيزة، فأما في زمن أحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي عبيد؛


(١) «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر: (٢/ ٩٤).
(٢) رواه أحمد (١٢٢٤٦)، وأبو داود (٢٥٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>