للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البدعة هذه، أو يؤخر صلاة العشاء في الجماعة الخاصة لانتفاء المانع الذي منع النبي من تأخيرها وهو كراهته أن يشق على أمته، ثم إننا مأمورون باتباع سنة الخلفاء الراشدين، وقد أجمعوا على صلاة التراويح، فلا يكون ما سنوه بدعة بحال، فكيف وقد أجمع عليها الصحابة، فضلا عن ثبوتها بالقول وبالفعل؟.

وقد جاء الحديث بأقوى ألفاظ العموم في الحكم على المحدثات ووصفها بالبدعة، وهو لفظ كل، وما استدل به المخالفون من النصوص كقوله تعالى: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الأحقاف: ٢٥]؛ لا يروج، فإن قوله بأمر ربها قيد كل شيء، فأين قيد «وكل بدعة ضلالة»؟، وقد كان النبي يكرر هذه الكلية في خطبة الحاجة التي دأب على ذكرها بين يدي كلامه، ولم يلحق بها استثناء، فدل هذا على أن العموم فيه محفوظ، أما أنه مخصص بحديث: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها،،، الحديث» (١)، فهذا ليس عاما فيمن يسن، ولا فيما يسن، ولا يخالف في هذا أحد، وإلا ما بقي دين.

والعلماء الذين قاموا مقام تقسيم البدع إلى أقسام الأحكام الشرعية كثيرون، ولهم مهابة في النفوس، ولهم علينا واجب التوقير، وأن نظن بهم النصح والخير، فإن منهم ابن عبد السلام، والنووي، والقرافي، والسيوطي، والحافظ ابن حجر، وغيرهم، ومع ذلك فإن النفس أميل إلى ما ذكرت، فإن من اقتصر على ما اتضح دليله، ووضح سبيله، لا تثريب عليه، بل هو ناج إن شاء الله، بخلاف من أرخى العنان، فإنه لا يكاد يسلم من الوقوع في الحمى، وما ذكروه من الأمثلة لا يخرج عن كونه مما لا يتم الواجب إلا به، فيكون واجبان أو ما هو من المصالح المرسلة التي لم يشهد لها دليل بالاعتبار ولا بالإلغاء، أو مما هو منصوص عليه لم يعرف المتكلم دليله، وحال المسلمين الذين استندوا إلى ذلك التقسيم شاهد صدق، وليس الخبر كالعيان، فاللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.


(١) أحمد ورواه مسلم (١٠١٧) عن جرير .

<<  <  ج: ص:  >  >>