للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين، بل إنه من أعظم الأمور بعد الشرك، بل إنه كثيرا ما أدى إلى الشرك.

ومهما يكن فإن الذي نعلمه أن المؤمن لا ينبغي له أن يقدم العمل على العلم بالحكم، فإنه إن فعل ما لايعلم أثم، ولو وافق السنة فيه، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٦]، ولهذا كان من احتاط لدينه بالاقتصار على الواضحات التي لا شبهة فيها مما يرجع لعهد السلف فهو أقرب للسلامة ممن تخوض فيما لا علم له به، أو اتبع بنيات الطريق.

ولما كان رسول الله قد قال: «وكل بدعة ضلالة»، فلا ينبغي أن يأتي من يقول إن البدعة التي وصفها االنبي أقسام بحسب الأحكام الشرعية، إلا إذا قيد كلامه بأنه يريد البدعة في اللغة، لأن أقل ما في هذا القول أنه استعمال لفظ مقته الشرع؛ بجعله وصفا لبعض الشرع، وحاشا أن يقصد أئمة الإسلام الذين ذهبوا إلى ذلك التقسيم هذا المعنى، علما بأن الشرع لم يأت ليحد لنا الحقائق في اللغة، ومن ثم فالبدعة المتحدث عنها هنا هي البدعة في الدين.

أما أن عمر قال عن صلاة التراويح التي جمع الناس عليها «نعمت البدعة هذه»، فلا يخالف ما قلته، فإن الجميع متفقون على أن صلاة التراويح قد صلاها رسول الله في حياته عدة ليال ثم تركها خشية الافتراض، وقال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (١)، وكان الناس في حياته يصلون، وقد جرى قدر الله أن يعاد بعث هذه السنة على يد عمر ، فيتعذر حمل البدعة في قوله على إحداث شيء في الدين، فإن المشار إليه وهو صلاة التراويح لا يستقيم وصفه بالبدعة إلا بحمل الوصف على البدعة في اللغة، وقد يحمل كلامه على تقديم التراويح على النوم كما يظهر من قوله: «والتي ينامون عنها أفضل»، لأنه قابل بين ما يفعل قبل النوم وما يفعل بعده، فإن تنازلنا قلنا تعالوا نفهم كلام عمر على أنه وصف يقتصر في إطلاقه على الأحكام الشرعية التي حصل لها ما حصل لصلاة التراويح بحيث تكون مشروعة ثم تترك لسبب ما، ثم يقيض الله لها من يحييها، وقريب من هذا أن ياتي اليوم من يقيم الكعبة على قواعد إبراهيم فيقال فيها نعمت


(١) متفق عليه: البخاري (٣٧)، مسلم (٧٥٩) عن أبي هريرة .

<<  <  ج: ص:  >  >>