للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقد توقف الصحابة وهم أهل العربية في كيفية الصلاة عليه من غير أن يرجعوا إليه ليعلموا منه ذلك لأن معنى الصلاة الدعاء وفيه إجمال، وكان قد علمهم كيف يسلمون عليه، فأخبرهم بما يصلون به عليه أيضا، ففيه دليل على أن طرق تعظيمه توقيفية لا دخل للعقل فيها، فلا يصح أن يقال اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وهذا دعاء، لكن الله اختار له منه هذا اللفظ الذي لا يدعى به إلا للأنبياء ولغيرهم بالتبع لهم، أو ما ورد فيه بخصوصه كما في صلاته على آل أبي أوفى.

والصلاة من الله تعالى قيل إنها الرحمة، وقيل هي الثناء عليه في الملائكة، فعن أبي العالية كما في صحيح البخاري من كتاب التفسير (١): «صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه عند الملائكة»، أما الصلاة من الملائكة، فقيل الاستغفار، وفيه شيء، فإن هذا يلتقي فيه مع غيره من المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: ٥]، وقال عن حملة العرش: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: ٧]، والذي يظهر أن صلاتهم طلب زيادة ذلك من الله تعالى على رسوله ، وكذلك صلاة غيرهم، فإنها دعاء بزيادة التشريف، وقيل التبريك، وقد علقه البخاري عن ابن عباس، وهو لا ينافي طلب الزيادة، لأن البركة الزيادة.

والمراد بالآل أتباعه، وهو قول مالك وغيره، فيكون ذكر الأزواج والذرية بعده في كلام المؤلف من ذكر الخاص بعد العام، وقيل إن الآل من تحرم عليهم الصدقة، وقيل أهل بيته، وقد جاء ذكر الأزواج والذرية في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي حميد الساعدي: «أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟، قال: قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» (٢)، وهذا الحديث بلفظه يطعن به في نحور الروافض المبتدعة بل الكفار كثير من علمائهم ودهمائهم الذين يقعون في الصحابة


(١) البخاري في كتاب التفسير سورة الاحزاب الآية (٥٦).
(٢) متفق عليه: البخاري (٦٣٦٠)، مسلم (٤٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>