للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن المرأة التي شأنها الحيض؛ لا تكون حائضا أبدا، ولا تكون طاهرا أبدا، بل يعتريها كل منهما في الشهر الواحد، ودليله قول النبي لحمنة بنت جحش من حديث: «إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت؛ فصلي ثلاثا وعشرين ليلة، أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي، فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن، ميقات حيضهن وطهرهن،،،» (١).

والمراد بركضة الشيطان؛ أنه لبَس عليها، فنسيت أيام أقرائها، وواسطته إلى ذلك سيلان الدم على وجه المرض، ولا مانع أن يكون الركض على حقيقته، فيكون سبب السيلان، وقوله تحيضي قال ابن الأثير: «تحيضت المرأة إذا قعدت أيام حيضها تنتظر انقطاعه»، انتهى، ومعناه هنا اعتبري نفسك بمنزلة الحائض في الأمور التي لا تحل لها، وقوله ستة أيام أو سبعة أيام، أو فيه للتنويع، بحسب عادة النساء التي ذكرها فيما بعد في قوله: «كما تحيض النساء،،،»، فالمراد التشبيه في عدد الأيام.

لكن المذهب أن من تمادى بها الدم، ولم تميز؛ تكون مستحاضة أبدا تصوم وتصلي، غير أنها تغتسل كلما انقطع، لأنها لا تدري هل يعاودها الدم أو لا؟، لكن الظاهر أنه لا فرق في التحيض أي اعتبار المرأة نفسها حائضا بين الناسية لعادتها كما في حديث حمنة بنت جحش هذا، وحديث أم سلمة الذي في الموطإ وغيره وسيأتي ذكره، إلا من حيث إن الأولى لا تعرف عدد أيامها، ولا موقعها من الشهر، فأمرت بالتحيض ستة أيام أو سبعة أيام، والثانية تعرف عدد الأيام وموقعها، فردت إلى عدد أيامها، لكن معرفة موقع أيامها من الشهر، لا يعني مجيء حيضتها كل شهر في موقعها، فإن المعروف أن حيضة المرأة تتقدم عن موعدها، ومن هنا تجتمع الناسية لعدد أيام حيضتها مع الذاكرة لها في التحيض متى طال الامد، لكن المالكية لا يقولون به، بل يعتبرون من لم تميز الدم مستحاضة أبدا، فيمكن إلزامهم بهذا القول لرواية مالك للحديث في موطئه (١٣٢)، فقد روى عن سليمان بن يسار عن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء في عهد رسول الله ، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله ، فقال: «لتنظر إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك؛ فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصل»، وقد قالوا إن المرأة المبهمة في هذا الحديث هي فاطمة بنت أبي حبيش، وأنها قد اختلف حالها، وهي هنا قد التبس عليها الدم فلم تميز، لكنها كانت تعرف عدد أيام حيضها.

- والخامس: انتهاء مدة الاستظهار، وهذا خاص في المذهب بالمعتادة إذا تمادى بها الدم، فإنها تستظهر بثلاثة أيام زيادة على عادتها، ما لم تجاوز أقصى مدة الحيض، وهي خمسة عشر يوما، وكذلك المبتدأة، وهي التي لم يسبق لها الحيض في تفصيل سيأتي.


(١) رواه أبوداود (٢٨٧) والترمذي وصححه، وحسنه البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>