للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو كونها دار العذاب والدليل على ذلك أن النبي حين أراد أن يبني مسجده نبش مقبرة المشركين وأقامه عليها، وذلك يعني زوال وصف المقبرة عن البقعة بالنبش، ولا ريب أن النبش يثير العظام ويبعث المخبوء من الصديد، فلو كانت العلة حسية؛ لكان ترك النبش هو المطلوب، ومن العجب أن بعض علماء المذهب يحتج بذلك النبش على كون العلة حسية، وكأنه ظن أن النبش يعني إزالة تراب القبور ونقله إلى مكان آخر.

قال زروق: «وألحق بمقابر المشركين مقابر المسلمين إذا نبشت».

وقال أبو الحسن: «فإن كانت غير منبوشة؛ وليس في موضع الصلاة شيء من أجزاء المقبورين فالمشهور الجواز»، ويرد هذا إن لم يكن مرادهم بالنبش مجرد إثارة الأرض، لا إزالة وصف المقبرة عنها؛ أن النبي ثبت عنه أنه نبش القبور وأقام عليها المسجد، وقد كانت قبورا للمشركين، ولم يفرش مسجده بشيء.

ومما يدلّ على أن العلة ليست حسية؛ أن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، وأجسادهم طاهرة، ومع ذلك كان اتخاذ قبورهم مساجد من الكبائر لاستحقاق فاعليها اللعن، قال النبي : «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، قالت عائشة: «لولا ذلك لأبرز قبره، خَشي أن يُتخذ مسجدا» (١).

وفي الموطإ (٢) مرسلا عن عطاء بن يسار أن رسول الله قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».

قال ابن عبد البر: «وقد كره مالك وغيره من أهل العلم طلب موضع الشجرة التي بويع تحتها بيعة الرضوان، وذلك والله أعلم مخالفة لما سلكه اليهود والنصارى في مثل ذلك»، وإذا كان مالك قد كره مجرد تطلب موضع شجرة بيعة الرضوان، فكيف بمن صلى إلى القبر لتعظيمه أو للتبرك به؟ وهو قد روى في موطئه ما فيه اشتداد غضب الله على من اتخذ القبور قبور الأنبياء مساجد؟.


(١) متفق عليه (خ/ ٤٤٤١) عن عائشة وابن عباس.
(٢) «الموطإ» (٤١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>