للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدلّ على أن العلة ليست حسية أن رسول الله نهى عن الصلاة إلى القبر كما سيأتي، والصلاة إليه أن يكون أمام المصلي في مقبرة أو غيرها، جديدا كان القبر أو دارسا، وليس بلازم أن يكون هناك شيء مما ذكر من النجاسة، ومن ذلك حديث: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا» (١)، فإن المقصود أنكم إن لم تصلوا في بيوتكم؛ أشبهت المقابر في كونها لا يصلى فيها، ولا مانع أن يؤخذ منه عدم جواز اتخاذ البيت مقبرة وهذا هو الظاهر، وقد جاء في صحيح مسلم (٢) عن النبي : «لا تجعلوا بيوتكم مقابر»، وإذا كنا منهيين عن جعل بيوتنا مقابر مع أنها ملك لنا، فكيف بجعل المسجد مقبرة، وهو ليس ملكا لأحد؟.

أما الصلاة على قبر من لم يصل عليه فلا ينبغي أن يحتج به على جواز الصلاة في المقبرة، لتزاحم مصلحة الصلاة على الميت مع مفسدة الصلاة في المقبرة، فغلبت مصلحة الصلاة على من لم يصل عليه.

فإن قيل: درء المفاسد مقدم، فالجواب: الصلاة على الميت في القبر نادرة، فلم تقارن مصلحة الصلاة عليه فتقدم، ولأن النهي لسد الذريعة فيباح للحاجة، ولحق الميت في ذلك حيث ينتفع بالدعاء له، وقبل ذلك وبعده لثبوته من فعله ، ثم إن الصلاة على قبر من لم يصل عليه هي صلاة جنازة، فإذا ساغ الاحتجاج بذلك الحديث، أعني حديث الصلاة على القبر؛ فإنما يسوغ في خصوص صلاة الجنازة، لا على جواز مطلق الصلاة.

ومن الحجج على منع الصلاة في المقبرة: حديث أبي سعيد الخدري المتقدم: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام»، ووجه الدلالة منه أنه استثنى الحمام والمقبرة من عموم ما يصلى فيه، ويمكن والله أعلم أن يقال إن فيه إيماء إلى أن الصلاة المرادة هي الصلاة ذات السجود لقوله «مسجد»، فإن المراد موضع السجود، فتكون صلاة الجنازة غير داخلة في الاستثناء، لكونها ليس شأنها أن تصلى في المسجد، كما هو السنة غالبا، ومن


(١) رواه الشيخان (خ/ ٤٣٢) عن ابن عمر، وهو في «الموطإ» (٤٠٢) عن هشام بن عروة عن أبيه نحوه غير الجملة الأخيرة.
(٢) رواه مسلم (٧٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>