الحجج قول النبي ﷺ:«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، والاتخاذ إنما يتحقق إذا بني على القبر مسجد، أو قصد المكان للصلاة فيه لأجل ذلك، أما مجرد الصلاة في مكان فيه قبر من غير قصد إليه؛ فليس هذا الحديث بالصريح في المنع منه، لأن هذا لا ينطبق عليه وصف الاتخاذ، نعم يتجه المنع لسد الذريعة، فكيف إذا ضم إليه ما عليه الناس من رقة الدين، وكثرة الشبهات؟.
أما أن يقال: إن المنع من الصلاة في شيء من البقع يتعارض مع ما ثبت للنبي ﷺ من الخصائص، ومنها أن الأرض جعلت له مسجدا وطهورا؛ فالصواب: أن لا معارضة، وإلا فإن من جوز الصلاة في المقبرة قد منعها في مواضع أخرى كما رأيت، ولم ير ذلك المنع مناقضا للامتنان، مع أن بعض ما قيل بالمنع من الصلاة فيه غير منصوص، فكيف بما نص عليه؟، فما جاء فيه النهي كان من قبيل تخصيص العام، ولا يقدح في الامتنان.
ومن أعاجيب الاستدلال على جواز الصلاة في المقبرة أن يقال: إن في المطاف سبعين نبيا مدفونا، وأن النبي ﷺ قد دفن في بيته، وما إلى ذلك مما يقوله من لا هم له إلا أن يعثر على متشابه يرد به المحكم، وحكم المتبع للمتشابه أن يحذر لأن الله تعالى سماه، وقد أمرنا رسول الله ﷺ أن نحذرهم، وإلا فأين المقبرة في المطاف؟، وإذا كان من خصائص الانبياء أنهم يدفنون حيث قبضوا؛ فهل ذلك يعكر على ما شرعوا لأممهم من الأحكام؟ لكن بعض الناس توسعو فمنعوا الصلاة في كل مسجد إلى جواره قبر ولو كان خارج المصلى، فنصبوا آراء الناس أدلة ينبغي أن يرد إليها عند التنازع.
ومن المواضع التي لا يصلى فيها:
• مكان قضاء الحاجة وهو المسمى كنيفا ومرحاضا لقول النبي ﷺ:«إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء؛ فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث»(١)، والحشوش جمع حش مثلث الحاء، هي أمكنة قضاء الحاجة.
قال في النهاية: وأصله من الحش:، وهو البستان، لأنهم كثيرا ما كانوا يتغوطون في