هذه شريعة وهذه حقيقة، وغدت العقائد آراء يعتورها النقض والإبرام، وجدالا لا نهاية لمحتملاته ونقائضه واعتراضاته.
وقد حصل هذا الانفصال مبكرا، لكن لسبب مختلف، وهو أن السلف لم يكونوا في حاجة إلى كبير كلام في العقائد لأن معتمدها النصوص، وهي محفوظة ولله الحمد، والخلاف فيها منعدم، فأما التزكية والعناية بالباطن فقد كانوا يعلمون أنها من أعظم مقاصد الشريعة، فكان الإخلاص يطبع أعمالهم، وكانت أقوالهم من جملة أعمالهم، وكانت تصرفاتهم وسلوكهم منبئة عن عدم ركونهم إلى الدنيا، والاغترار بزينتها، يهتدون في كل ذلك بكتاب ربهم وسنة نبيهم، فما قالوا بذوق ولا كشف، ولا اعتمدوا على الرؤى وغيرها في إثبات شيء ونسبوه إلى الدين، ومن هنا كانت عنايتهم بالمسائل العملية وهي الفقه لأنه يحتمل الخلاف، لكنه كان عندهم وثيق الصلة بالنصوص التي هي المعين الثر لاستقاء الأحكام، هكذا كان الأمر في الموطآت والمصنفات، والكتب الجوامع، وكتب السنن، التي ضمت نصوص السنة المرفوعة، كما حفظت الموقوفات، وفتاوى العلماء، ولم يخل الكثير منها من كتب أو أبواب في الزهد والرقائق، ومع ذلك خصهما بعض العلماء بالتأليف على حدة، فجمعوا الكثير الطيب من نصوص الكتاب والسنة والآثار، ككتاب الزهد لعبد الله بن المبارك المتوفى سنة (١٨١)، والمعافى بن عمران المتوفى سنة (١٨٥)، وأحمد بن حنبل المتوفى سنة (٢٤١)، وإيراهيم بن الجنيد المتوفى نحو سنة (٢٦٠)، وعبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الدنيا المتوفى سنة (٢٨١)، وغيرهم كثير.
كما كتب العلماء في العقائد حينما برزت الحاجة إلى الكتابة فيها بظهور جماعات التضليل وفرق الابتدع، وقد كانت من قبل ردودا شفوية مقتضبة كما جاء في قول ابن عمر ﵄ حين سمع بقول معبد الجهني وهو أول من قال بنفي القدر في البصرة كما في صحيح مسلم، قال ابن عمر:«إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر»، وذكر حديث عمر المرفوع في بيان الإيمان والإسلام والأحسان، وتجد في كتاب اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي طائفة صالحة من عقائد أهل العلم بعضها لا يبلغ