للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التيمم قد تأخرت عن نزول هذه الآية إذا منع مانع من أن يكون المراد بالتطهر في الآية ما هو أعم من الاغتسال بالماء والتيمم، أما تفسير ابن عباس للتطهر بالاغتسال؛ فليس فيه ما يمنع الاستباحة بالتيمم، فإن الاغتسال أصل، وهو الغالب، فالتنصيص عليه لا ينفي قيام بدله مقامه بشرطه، وقد ذهب ابن شعبان وابن نافع إلى جواز وطء من انقطع حيضها إذا تيممت، وهو في النوادر، وقال ابن بكير بالكراهة، ولأن الاغتسال الذي هو واجب من الحيض قبل الصلاة والوقاع ليس متمحضا لإزالة القذر والتطهر الحسي، بل شائبة الجانب التعبدي فيه كبيرة، بدليل أنها ولو تطهرت حسا وتنظفت لا يحل وطؤها عند الجمهور، ولا تجوز لها الصلاة بالإجماع، وكل من الماء والتيمم طهارة.

وتحسن الإشارة هنا إلى ما ذكره ابن رشد في بداية المجتهد من أن من حمل قوله تعالى ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ من أهل العلم على معنى انقطاع الدم، أو التطهر بالماء، أو غير ذلك؛ فينبغي أن يحمل قوله تعالى ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ ولا بد على نفس المعنى السابق، واحتج بأن العرب لا تقول «لا تعط فلانا درهما حتى يدخل الدار، فإذا دخل المسجد فأعطه درهما»، انتهى.

قلت: هذا ليس كما ينبغي، فإن القرآن أصل، فلا يحسن أن يقال في معنى دل عليه بظاهره إنه ليس في كلام العرب، لأن النفي متوقف على الاستقراء، وهو ليس بالسهل على أن في القرأن مبتكرات، نبّه عليها أهل التفسير، وأهم من هذا في القوة أن المثال الذي نفى وجوده لا يشبهه ما في الآية، فإن الغاية في الآية تضمنها الشرط بعدها، إذ لا يقبل التطهر شرعا إلا بعد الطهر الذي هو انقطاع الحيض، فانقطاع الحيض داخل في المراد بالتطهر في الشرع، ولاختلاف الصيغة بين الغاية والشرط، فإنه يجوز أن تقول: «لا تعط فلانا درهما حتى يدخل الدار، فإذا استقر فيها فأعطه درهما»، وهذا هو الذي ينطبق في المعنى على الدليل، وهو جائز في الكلام، ونظير هذا قوله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: ٦] والله أعلم.

والأمر الثاني امتناع تقبيل المتوضئ وجماع المغتسل غير الواجد للماء، قيل بحرمة ذلك، وقيل بكراهته، قال خليل: «ومنع تقبيل متوضئ وجماع مغتسل إلا لطول»، وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>