عللوا ذلك بأن الفاعل يفوت على نفسه الطهارة المائية مع إمكان بقائها، ولذلك ألحق به بعضهم تعمد إخراج الناقض دون حاجة، وذهب ابن وهب إلى الجواز، ومن الحجة للمجوزين؛ ما رواه أبو داود (٣٣٣) عن أبي ذر - وفيه قصة - قال:«أتيت النبي ﷺ بنصف النهار، وهو في رهط من أصحابه وهو في ظل المسجد فقال: أبو ذر؟، فقلت: نعم، هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟، قلت: إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور،،، وفيه قول النبي ﷺ: «إن الصعيد الطيب طهور، وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك»، ويظهر أن بعضهم قد رأى في هذا الحديث دلالة على اشتراط الطول في جواز ما تقدم، ولعله انتزع ذلك من قول أبي ذر:«كنت أعزب عن الماء»، يعني أغيب، ولا يظهر أنها مطلق غيبة، لأنه كان راعيا لغنمه كما يدل عليه الحديث بتمامه، فإن ابن أبي زيد قال في النوادر عاطفا على المانعين إلا مع الطول:«وقاله أصبغ، وروى فيه حديثا»، ومما استدل به الغماري في مسالك الدلالة لقول ابن وهب وهو ممن يرى الجواز؛ حديث حكيم بن معاوية عن عمه قال:«قلت يا رسول الله، إني أغيب الشهر عن الماء، ومعي أهلي أفأصيب منهم؟، قال: «نعم»، قلت:«يا رسول الله، فإني أغيب الشهرين»، قال:«وإن غبت ثلاث سنين»، رواه الطبراني، وقال الغماري: سنده حسن»، وهو واضح فيما عليه أهل المذهب من اشتراط الطول، لكنه حكاية حال، وما أدرانا أنه لو لم يكن يعزب هذه المدة أن لا يباح له ذلك؟، ولأن الأصل الإباحة فنتمسك بها حتى يأتي الناقل، والله أعلم.