للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى الشيخان (خ/ ٥٣١) عن أنس بن مالك ، عن النبي قال: «إن أحدكم إذا صلى يناجي ربه، فلا يتفلن عن يمينه ولكن تحت قدمه اليسرى»، والمناجاة المسارة.

والمصلي يختلي بربه، ولو كان مع الناس، يخاطبه بقراءة القرآن، ويثني عليه بالتسبيح والتحميد، ويتضرع إليه فيطلب منه حاجته بالدعاء، ولا داعي لصرف المناجاة إلى حضور القلب والخشوع، فإن ذلك مطلوب، وهو لازم لمن يناجي ربه ظاهرا وباطنا، ويدل الحديث على أن الأصل في الأذكار والأدعية في الصلاة السر، والقراءة معظمها سر، وما من صلاة عدا صلاة الفجر إلا وفيها هذا وهذا، حتى والمرء وحده فإن المطلوب التوسط فيما يجهر فيه، وقد مر النبي بأبي بكر وعمر، وكان أبو بكر يسر وعمر يجهر، فأمر الأول أن يرفع صوته قليلا، وأمر الثاني أن يخفضه قليلا، وقد قال أهل المذهب إن المأموم لا يجهر بشيء في صلاته غير تكبيرة الإحرام والسلام، قال ابن عبد البر في (الاستذكار ١/ ٤٣٥): «وإذا كان هذا هكذا؛ فحرام على الناس أن يتحدثوا في المسجد بما يشغل المصلي عن صلاته، ويخلط عليه قراءته».

ويستدل بالحديث على أن لا صمت في الصلاة إلا ما استثني بالدليل، كما هو الشأن حين الإنصات للإمام وهو يقرأ الفاتحة على أحد القولين، ويظهر به مرجوحية قول من قال من أهل العلم إن الإمام في صلاة الخوف يقوم ويبقى ساكتا إلى أن تأتي الطائفة الأخرى، وهكذا من رأى من أهل العلم عدم القراءة خلف الإمام أسر أو جهر مستدلا بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)[الأعراف: ٢٠٤]، فإن هذا من غريب الاستدلال.

ويستدل به على أن من صلى وراء من يقنت في الصبح مثلا وهو لا يرى ذلك أن عليه أن يذكر الله ولا يسكت، فإن هذا يتنافى مع وصف المناجاة المتثبت له، وحيث إنه يناجي ربه فلا يخاطب غيره، إذ الصلاة لا يصلح لها شيء من كلام الناس، وقد قال النبي لمعاوية ابن الحكم السلمي وهو في صحيح مسلم وغيره: «إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن».

<<  <  ج: ص:  >  >>