«فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى، ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته»، وبهذا يتبين لك أن قول ابن عمر وهو مرفوع حكما نص مجمل، وقد تبين أنه في التشهد الأول، فلا يكون بينه وبين حديث أبي حميد تعارض، ويلزم المالكية القول به، والله أعلم.
وقد روى النسائي (٢/ ٢٣٦) عن وائل بن حجر قال: «أتيت رسول الله ﷺ فرأيته يرفع يديه إذا افتتح الصلاة حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وإذا جلس في الركعتين أضجع اليسرى ونصب اليمنى،،،» الحديث، وقد استدل به المحدث الألباني كما في تمام المنة ص (٢٢٣) على أن الجلوس في تشهد الصلاة الثنائية يكون بالافتراش كما يقول الإمام أحمد ﵀، قال بعد ذكر الحديث:«فهذا ظاهر في أن الصلاة التي وصفها كانت ثنائية، ويقويه حديث عائشة وابن عمر اللذان تقدما عند المؤلف في صفة الجلوس بين السجدتين، فثبت ما قلناه والحمد لله».
قلت: الحديث ليس بظاهر فيما قاله الشيخ لأمرين، أولهما: أن قوله «أضجع»، يصدق مع الافتراش والتورك، والإضجاع مع التورك أكمل في الدلالة، والمعتاد أن يقال ثنى رجله وقعد عليها، أو افترش اليسرى، فهذا يكون نصا، فلا يكون في تلك العبارة دليل على ما ذهب إليه الشيخ، ولو سلمنا أن المراد بها الافتراش؛ فإن هناك عقبة أخرى تقوم أمام الاستدلال لما ذهب إليه، وهو أن قوله «إذا جلس في الركعتين»؛ محتمل أن يراد به جلوس التشهد الأول، وهذا هو الظاهر، وقد يكون الراوي اختصر وصف الصلاة، فذكر أهم الأمور، يدل على ذلك حديث أبي حميد الذي رواه البخاري وقد تقدم، فإنه جاء فيه التعبير ذاته، لكنه مستقصى حيث قال:«فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى، ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته»، ويظهر أن النسائي راويه قد اعتبره كذلك، إذ ترجم عليه بقوله:(باب موضع اليدين عند الجلوس للتشهد الأول)، ويضاف إلى هذا أن غالب صلوات النبي ﷺ في المسجد كانت الفرائض وفيها أكثر من تشهد عدا الصبح، أما حديثا عائشة وابن عمر اللذان أشار إليهما؛ فليس فيهما ما يقوي هذا الذي ليس بقوي.