تجاوزنا ما فيه من المخالفة للثابت عن النبي ﷺ في الرواتب، كما في حديث عائشة وابن عمر الصحيحين، متى حملت كان على بابها من المداومة والاستمرار، ولعل الصواب حمل الحديث على أنه كان يسلم من كل ركعتين، فذكر التشهد ولم يذكر التسليم، لأن الصلاة بدونه تشبه الصلاة الرباعية المفروضة، وقد جاء النهي عن الإيتار بثلاث ركعات مع الفصل بالتشهد، لكونها تشبه صلاة المغرب، فكذلك الأمر هنا، لولا الزيادة التي في آخر الحديث، وهي «بجعل التسليم في آخره» وانظر الصحيحة (٢٣٧)، والله أعلم.
وقد روى علي بن زياد عن مالك فيمن لم يدر في النافلة أصلى ركعة أو ركعتين فبنى على ركعة، فلما صلى ثانية أيقن أنها ثالثة؛ فليأت برابعة ويسجد بعد السلام»، وكذلك ذكر عنه فيمن قام من اثنتين حتى ركع في الثالثة فإنه يتم أربعا ويسجد قبل السلام، فهذا يدل على أنه يصحح الأربع ركعات في مثل هذه الحالة، ولا يعتبرها باطلة كما هو المذهب أن الزيادة سهوا إذا بلغت مثل الصلاة في العدد أبطلتها.
وفي ختام هذا البيان، فإني أنصح من يؤم الناس في التراويح مثلا أن يقتصر على ما اعتادوه من كون الصلاة مثنى مثنى، فقد علمت أن هذا أمر متفق عليه، وأنه الأيسر، وهو الذي يعلمه الناس، وأن يجتنب الإيتار بثلاث ركعات متصلات رغبة منه في العمل بالسنن التي جاءت على أنحاء مختلفة، وقد وقفتَ في هذا الشرح على أمثلة من منهج الإمام مالك في هذا الأمر، ويمكن الراغب في ذلك التنويع أن يفعل صور النافلة الأخرى إذا كان منفردا، أو مع من يفقه ذلك، ولا بأس أن يشير إليه في دروسه، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا، كما قال عمر بن عبد العزيز ﵁، فإذا تعلّم الناس أسلسوا القياد، وقال علي بن أبي طالب ﵁:«حدثوا الناس بما يعرفون - يعني يفهمون - أترضون أن يكذب الله ورسوله؟، وقال ابن مسعود ﵁: «ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة»، وإذا كان هذا في مجرد تحديثهم فكيف إذا أجبروا على فعل ما لا يعلمون»؟.