تَأْثِيمٌ (٢٣)﴾ [الطور: ٢٣]، أي يتعاطونها، وقيل يتجاذبونها مداعبة وملاطفة، نسأل الله أن نكون ممن يسقاها، وكيف تكون المنازعة في الندام وهم الندامى؟، فالحاصل أن المعنى الأول وهو قراءتهم معه، والثاني وهو قراءتهم إذا سكت، كل منهما إنما يكون إذا جهروا، فينهى عنهما معا، أما إن أسروا فلا، ويقويه أن أبا هريرة وهو راوي الحديث؛ فهم منه هذا، إذ قال لأبي السائب حين استشكل القراءة خلف الإمام إذا جهر:«اقرأ بها في نفسك يا فارسي»، قال الباجي:«أي بتحريك اللسان بالكلم، وإن لم يسمع نفسه، رواه سحنون عن ابن القاسم في العتبية، قال: ولو أسمع نفسه يسيرا كان أحب إلي، وقال عيسى وابن نافع ليس العمل على قوله: «اقرأ بها في نفسك»، ولعله أراد إجراءها على قلبه، دون أن يقرأها بلسانه»، انتهى، وهذا كما ترى ليس بشيء، لأن إجراءها على القلب لا يعتبر قراءة، وانظر شرح الزرقاني للموطإ (١/ ١٧٦).
فإن قلت: لقد زاد البخاري في الحديث المتقدم في جزء القراءة: «وقرءوا في أنفسهم سرا فيما لا يجهر فيه الإمام»، وهذا يبين عموم الانتهاء عن القراءة في الجهرية خلف الإمام؛ فالجواب: ما تقدم من أن البخاري يرى الانتهاء مدرجا من كلام الزهري، فلا يكون في هذه الزيادة حجة، لأن القول فيها هو القول في أصلها حسب رأيه في تلك الجملة.
على أن متن حديث أبي هريرة المتقدم قد روى نحوه الدارقطني، والبيهقي، من حديث زيد بن واقد عن حزام بن حكيم، ومكحول عن نافع بن محمود أنه سمع عبادة بن الصامت يقرأ بأم القرآن وأبو نعيم يجهر بالقراءة، فقلت: رأيتك صنعت في صلاتك شيئا، قال: وما ذاك؟، قلت: سمعتك تقرأ بأم القرآن وأبو نعيم يجهر بالقراءة؟، قال: نعم، صلى بنا رسول الله ﷺ بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة، فلما انصرف قال:«هل منكم من أحد يقرأ شيئا من القرآن إذا جهرت بالقراءة؟، قلنا: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله ﷺ: «وأنا أقول ما لي أنازع القرآن؟، لا يقرأن أحد منكم إذا جهرت بالقراءة، إلا بأم القرآن»، حسنه الدارقطني ووثق البيهقي رواتَه، وحكم له بالاتصال، انظر تهذيب سنن أبي داود (٣/ ٣٦) لابن القيم، وللحديث طريق آخر هو في جزء القراءة للبخاري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبادة نحوه، وله شاهد من حديث أنس