لكن العلماء اختلفوا في قائل جملة الانتهاء هذه: هل هو أبو هريرة؟، فيكون مرفوعا من جملة الحديث، أو هو غيره من رجال السند: إما معمر، وإما الزهري، فيكون مدرجا، قال الحافظ في التلخيص: «قوله فانتهى الناس إلى آخره؛ مدرج في الخبر من كلام الزهري بينه الخطيب، واتفق عليه البخاري في التأريخ، وأبو داود، ويعقوب بن سفيان، والذهلي، والخطابي، وغيرهم، انتهى.
قلت: ومنهم أبو بكر بن العربي، ومعنى هذا أن الانتهاء ليس من الحديث، فلا حجة فيه، وذهب ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود (٣/ ٣٥) إلى أنه يجوز أن يكون من كلامهم جميعا إذ لا مانع منه.
قلت: ولو سلم ما ذكر باعتبار أن الأصل فيما يذكر في الحديث أنه منه؛ فإن الانتهاء عن القراءة يحتمل أنه كف منهم عن الجهر، لأن الحديث فيه:«ما لي أنازع القرآن»، فينزل الانتهاء على ما كان منازعة، لأنهم لو قرءوا سرا ما جاذبوه ولا نازعوه ولا شوشوا عليه بأبي هو وأمي، قال في النهاية في معنى أنازع:«أي أجاذب في قراءته، كأنهم جهروا بالقراءة خلفه، فشغلوه، فالتبست عليه القراءة،،،»، وقال الخطابي عن معناه:«أداخل في القراءة وأغالب عليها، وقد تكون المنازعة بمعنى المشاركة والمناوبة، ومنه منازعة الناس في الندام»، والندام بكسر النون جمع نديم وهو المجالس لأجل الشرب، وقول الألباني «والمعنى الثاني هو المتعين هنا، بدليل انتهاء الصحابة عن القراءة مطلقا، ولو كان المراد منه المعنى الأول؛ لما انتهوا عنها، بل عن المداخلة فقط كما هو ظاهر»؛ ليس كما ينبغي، فإن المعنى الأول والمعنى الثاني لا فرق بينهما، بل كل منهما يدل على أنهم كانوا يجهرون معه، لأن المناوبة والمشاركة لا تكون بين شخصين يتكلمان وأحدهما لا يسمع الآخر، ثم إنني أخشى أن تكون كلمة الندام حرفت فيها النون عن
الميم، فالكلمة هي المدام، وهي الخمر، ومعنى المنازعة فيها التناوب والمشاركة، وهذا واضح من كلام الخطابي، قال الله تعالى عن شرب أصحاب الجنة لها: ﴿يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا