للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحبه دعا الله تعالى في مقدمته لنفسه وللسائل ولسائر المسلمين، وذلك دأب الأنبياء والمرسلين والصالحين، وقد كان الغالب على أحوال النبي إذا دعا أن يبدأ بنفسه، كما رواه الطبراني عن أبي أيوب قال: «كان إذا دعا بدأ بنفسه»، وهو في جامع الترمذي من حديث أبي بن كعب: «كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه»، وفي سورة الفاتحة دعاء مفروض بصيغة الجمع، قال تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)[الفاتحة: ٦]، وفي التشهد بعد التحيات: «السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»، وقال الله تعالى حكاية عن نبيه ورسوله إبراهيم : ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١)[إبراهيم: ٤١]، وقال تعالى عن نبيه ورسوله نوح : ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا

تَبَارًا (٢٨)[نوح: ٢٨].

والذي دعا به المؤلف لنفسه ولغيره هو أن يعينهم الله على رعاية ودائعه التي أودعهم إياها، أي حفظها، وقد قرن الله تعالى بين اختصاصه بالعبادة واختصاصه بالاستعانة، فقال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)[الفاتحة: ٥]، إذ لا حول ولا قوة إلا بالله.

والودائع جمع وديعة، وهي ما وضع عند الشخص ليحفظه حتى يسترد منه، تقول أودعته كذا، واستودعته وديعة؛ إذا استحفظته إياها، قال الشاعر:

وما المال والأهلون إلا وديعة … ولا بد يوما أن ترد الودائع

والمراد هنا الجوارح السبعة وهي السمع والبصر واللسان واليدان والرجلان والبطن والفرج، وحفظها استعمالها وتسخيرها فيما هو مطلوب، كسماع القرآن، وتلاوته، ودروس العلم، والمواعظ، والذكر، وإعانة الناس باليد واللسان، والذهاب إلى الأماكن الفاضلة، والأسفار الواجبة والمستحبة والمباحة، ودفع الظلم، والأكل من الطيبات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم استعمالها في غير ما أذن الله فيه، من سماع الباطل كالغناء، والاغتياب، والنميمة، وشهادة الزور، والكذب، والنظر الحرام، والزنا، وأكل أموال الناس بالباطل، وذلك مقدمة للمحافظة على الشرائع التي شرعها الله لعباده، ولذلك عقبه بدعاء آخر وهو قوله: «وحفظ ما أودعنا من شرائعه»، أي جعله عندنا ودائع،

<<  <  ج: ص:  >  >>