وبهذا يظهر انتظام كلامه وعدم التكرار فيه، وقد حاول بعضهم دفع التكرار فما أصاب.
ولعل دعاءه بحفظ الجوارح منتزع من قوله ﷺ فيما رواه أحمد والترمذي واستغربه والحاكم عن ابن مسعود:«استحيوا من الله تعالى حق الحياء، من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء»(١).
والشرائع جمع شريعة، وهي في كلام العرب مشرعة الماء، أي مورد الشاربين، يشربون منها ويستقون، ولا تسمى كذلك حتى يكون ماؤها ظاهرا معينا عدا (بكسر العين)، أي لا ينقطع، فلا يحتاج إلى أن يسقى بالرشاء، فيتعنى في استخراجه، بل هي أيسر في السقي من البئر، وأدوم نفعا من ماء المطر، ومن هنا تتبين المناسبة التي بينها وبين المراد بها في الشرع، فإنها ما سن الله لعباده مما أمر به أو نهى عنه أو أباحه، أو أخبر به، ولا ريب أن مصالحهم العاجلة والآجلة فيه وحده، بما فيه من الاعتقاد الحق، والعدل، والإحسان، واليسر، ورفع الحرج، ودفع المفاسد، وجلب المصالح، واطمئنان النفوس.
ويخص بعضهم الشريعة بالأحكام العملية، ويقابلها المسائل العلمية، فيقال العقيدة والشريعة، والشرعة مثل الشريعة، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا﴾ [الجاثية: ١٨]، وقال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨)]، قال ابن عباس ﵄: سبيلا وسنّة.
قوله:«سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة»، الجملة هي الطائفة من المسائل، والمختصرة الموجزة، وهي القليلة اللفظ الكثيرة المعنى، ولا يقدر على الاختصار إلا من كان متقنا بارعا فيما يؤلف فيه، وكلام السلف كان كذلك، فهو قليل اللفظ كثير المعنى، رزقهم الله فيه البركة، وجعل له الأثر الحسن في النفوس، مع السداد وعدم التكلف، فكان فقهاؤهم كثيرين، وخطباؤهم قليلين، ثم قل الفقهاء وكثر الخطباء كما جاء في أثر ابن مسعود ﵁، وهو في الموطإ، وقد وصفت خطبة النبي ﷺ بأنها كلمات