بعد أن ذكر قول ابن المسيب وهو مخالف لما سبق في اللفظ، وفي مصنف عبد الرزاق لفظ آخر أقرب، قال:«وأراه إنما كره عجلتهم بذلك، قبل نزول حقيقته، فلا أحب أن يوجه إلا أن يغلب أو يعاين، وذلك عند إحداد نظره، وشخوص بصره،،،»(النوادر في توجيه الميت وتلقينه)، وقد روى عبد الرزاق في المصنف (٦٠٥٨) عن ابن جريج قال: قلت لعطاء أرأيت حروف الميت إلى القبلة حين يحين فوضه على شقه الأيمن؛ أسنة ذلك؟، قال سبحان الله!!، ما علمت من أحد يعقل؛ ترك ذلك من ميته، والله إن الرجل ليحمل فراشه حتى يحرف به إذا لم يُستطع ذلك»، ومعنى حروف الميت؛ صرفه وإمالته، وقوله فوضه؛ القياس فيضه، من فاض يفيض فيضا، يقال فاضت روحه إذا مات.
وفي توجيه المحتضر إلى القبلة روايتان عن مالك:
ففي الواضحة:«لا أحب ترك توجيه الميت إلى القبلة إن يستطع ذلك».
وفي المجموعة قال ابن القاسم عنه في التوجيه:«ما علمته من الأمر القديم».
ويظهر لي أن الرواية المثبتة هي المتأخرة، وأما جعل وجه المحتضر إلى القبلة؛ فلأن هذه هي الهيئة التي يجعل عليها الميت في قبره، وقد قال بذلك بعض السلف كما في المصنف لعبد الرزاق برقم (٦٠٦١) وقيل يوجه مستلقيا، والله أعلم
وأما إغماض عينه إذا مات؛ فلحديث أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي ﷺ دخل على أبي سلمة، وقد شق بصره، فأغمضه، فصيح ناس من أهله، فقال:«لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون»، ثم قال:«اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه من الغابرين، واغفر لنا وله رب العالمين، اللهم افسح له في قبره، ونور له فيه»، رواه مسلم وأبو داود (٣١١٨)، وهذا لفظه، وفي مسلم قوله ﷺ:«إن الروح إذا قبض تبعه البصر»، قال أبو داود بعد رواية الحديث المتقدم:«وتغميض الميت بعد خروج الروح، سمعت محمد بن محمد بن النعمان المقري، قال سمعت أبا ميسرة رجلا عابدا يقول: أغمضت جعفرا المعلم وكان رجلا عابدا في حالة الموت، فرأيته في منامي ليلة مات يقول: أعظم ما كان علي تغميضك لي قبل أن أموت»، انتهى، ومن الحكمة في ذلك اجتناب ما في بقاء عيني الميت مفتوحتين من نكارة المنظر.