يقدر المرء على دفعه، لكن بإمكانه كتمانه والحد منه، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣)﴾ [النجم: ٤٣]، وقال تعالى: ﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (٦٠)﴾.
[النجم: ٥٩ - ٦٠]
السن تضحك والأحشاء تحترق … وإنما ضحكها زور ومختلق
يا رب باك بعين لا دموع لها … ورب ضاحك سن ما به رمق
وإنما تحدث أهل العلم عن البكاء على الميت وبينوا ما يجوز منه مما لا يجوز؛ لأنه يقع عند الموت ويحصل من الناس ما هو غير مشروع، كالاجتماع عليه، ورفع الصوت به، وتعداد محاسن الميت، والافتخار بخصاله، أو شق الثياب، ونشر الشعر، وضرب الوجه، وكونه مصحوبا بالجزع والتسخط، ولذلك قيد المؤلف المشروع منه بما كان بالدموع، يعني لا برفع صوت.
ويجمع الجائز من البكاء والممنوع منه قول النبي ﷺ كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر:«ألا تسمعون؟، إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم»، وقول المؤلف حينئذ يعني وقت الاحتضار، وكأنه يشير إلى أن الجواز مقيد بذلك الوقت، والظاهر من النصوص جواز البكاء قبل الموت وبعده بلا رفع صوت ولا كلام مكروه ولا اجتماع، قاله زروق نقلا عن ابن حبيب.
وقد ورد الوعيد الشديد على الصراخ والنياحة، من ذلك قول النبي ﷺ:«ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية»، متفق عليه من حديث ابن مسعود، وقوله ليس منا؛ فيه الزجر الشديد عما ذكر بالبراءة من فاعله، والجيوب جمع جيب الفتحة التي يدخل منها الثوب الجسد، والمقصود بشقها؛ إكمال شقها، والمراد ب «دعوى الجاهلية»؛ مناداة الباكي الميت كقوله واسنداه واجبلاه واعضداه، أو يقول يا ويلاه واكرباه، ونحو ذلك، وقد روى مسلم عن أبي مالك الأشعري أن النبي ﷺ قال:«أربع في أمتي من أمور الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب»، رواه أحمد ومسلم.
أما ما ورد من ذلك عن بعض الصحابة الكرام مما يخالف، كقول فاطمة -رضي الله تعالى عنها- بعد