للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موت أبيها : «واكرباه»، وقولها: «يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه»، وهو في صحيح البخاري (٤٤٦٢) عن أنس، وكذا قول أبي بكر حين وقف على جثمان النبي : «وانبياه، واصفياه، واخليلاه»، فقيل إن ذكر بعض محاسن الميت لا حرج فيه، إذا لم يصحبه تسخط على القدر.

والصواب إن شاء الله: أن هذا مما قد يغلب عليه المرء فلا يتمالك، ومن بدر منه شيء من ذلك على هذا النحو فلا مؤاخذة، وقد أقر النبي فاطمة على ذلك حيث قالت: واكرباه، فقال: «لا كرب على أبيك بعد اليوم»، وهو في صحيح البخاري عن أنس وقد تقدم، أما أنهما لم يبلغهما الخبر؛ فهذا بعيد مع عموم البلوى بذلك.

وعن أبي بردة قال: «وَجِعَ أبو موسى وجعا فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئا، فلما أفاق قال: «أنا بريء ممن برئ منه رسول الله ، فإن رسول الله ، برئ من الصالقة، والحالقة، والشاقة»، رواه الشيخان، والصالقة الرافعة صوتها بالبكاء، وقيل الصلق ضرب الوجه، وليس ببعيد، والحالقة التي تحلق شعرها عند المصيبة حزنا وأسفا، والشاقة التي تشق ثوبها لذلك.

ويدل كلام أبي موسى بعد إفاقته من غشيته أن المرء ينبغي أن ينهى أهله وغيرهم عما ذكر، فإن كان يعلم من أهله ذلك ولم ينههم كان آثما إن هم فعلوا ذلك به، لأن من لم ينه عن المنكر مع تمكنه من ذلك يأثم، وقد ورد في ذلك قول النبي : «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه»، رواه البخاري ومسلم وأبو داود (٣١٢٩) عن ابن عمر، وهذا لا ينبغي أن يعارض بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الإسراء: ١٥]، فإن المعنى أن أحدا لا يحمل ذنب أحد فيقع التخفيف بذلك عنه، ومقابلها القاعدة التي في قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)[النجم: ٣٩]، والمقصود أن الأولى تثبت المسؤولية الشخصية على المخالفات والمعاصي، يدل على ذلك سياقها في سورتي الإسراء وفاطر، لكنها مخصوصة بهذا وبغيره، أو لأن الذي يعذب ببكاء أهله إنما يعذب بما ارتكب من ترك النهي عن المنكر الذي علمه من أهله وهو حي، والنهي عن المنكر واجب، وهذا ما يحسن حمل كلام أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- عليه، وقال النبي : «،،، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»، وهذا إنما صدر عنه فعله ولم يفعل ما فعله من ائتسى به، وما ذا يقال فيمن علم أن عادة قومه بناء القباب والضرائح على من يظنونهم من أهل العلم أو هم

<<  <  ج: ص:  >  >>