وقد قال الشيخ الطاهر بن عاشور عن هذا المعنى في كتابه النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح (ص/ ٤٢) إنه «تأويل بعيد، إذ لا يجب على أحد أن يوصي قومه بأن لا يفعلوا منكرا بعد موته!!، لأن تغيير المنكر واجب عند وقوعه ورؤيته، وأما الوصايا باجتنابه قبل وقوعه ففضيلة وتنبيه، وليس ذلك بالواجب، فإن أحكام الشريعة تقررت في تكليف الناس فلم يلزم التذكير بها»!!، انتهى.
أما أن تغيير المنكر واجب عند وقوعه ورؤيته فنعم، لكن هذا الذي بكى عليه أهله بكاء غير مشروع، وكان يراهم يفعلون ذلك في حياته ولم ينههم؛ هو معاقب على تقصيره في نهيهم حين رآهم يفعلون، لا على منكر حصل من بعده، فإذا مات ولم يفعلوا ما ذكر فذاك، فوقب لأنه نتيجة تفريطه في تعليم أهله، وأما أن أحكام الشريعة قد تقررت، فلم يجب التذكير بها، فلا يسلم لقائله، إذ التعليم مطلوب، وقد يكون واجبا، ثم يقال إن تقرر أحكام الشريعة يتفاوت في الإلمام به الناس، إذ علمهم بأحكامها غير متساو، بل ولو قدرنا أنهم في منزلة واحدة من العلم بها وهيهات؛ فإن من علم كثيرا ما يواقع المخالفة، فيتعين أمره ونهيه، فمن كان قادرا على ذلك وقصر فعلى نفسه جنى، والاعتماد على ما قاله مؤد إلى عدم لزوم النهي عن المنكر أصلا في كل ما تقرر من أحكام الشريعة وكان بينا، وهذا باطل.
قدم ابن عمر من سفر وقد مات أخوه عاصم فذهب إلى قبره ودعا له واستغفر، وذكر ابن أبي زيد في النوادر في (البناء على القبور وتجصيصها) أنه رثاه فقال:
فإن تك أحزان وفائض دمعة … جرين دما من داخل الجوف مُنقعا
تجرعتها في عاصم واحتسبتها … فأعظَمُ منها ما احتسبنا تجرعا
فليت المنايا كن خلفن عاصما … فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا
دفعنا بك الأيامَ حتى إذا دنت … تريدك لم نسطع لها عنك مَدفعا