للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذنب له، كما استشكل هذا الدعاء ابن عمر شارح الرسالة، وقوله «من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان»، إنما ذكر الحياة على الإسلام؛ لأن المقصود أن يعيش عاملا بالشرع بجوارحه، وفي ظاهره، وذلك لا يصح إلا بالإيمان، أما الممات فالمطلوب أن يموت المسلم على التوحيد، فإن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة يوما من دهره، وقد عكس المصنف ذلك كما ترى، وهي رواية أبي داود (٣٢٠١)، وقد يكون المقصود أن كلا من اللفظين يشمل الآخر كما هو المعروف فيهما وما كان نحوهما إذا انفردا، والأول أولى، والله أعلم.

الخامس: قوله جئناك شفعاء له، فشفعنا فيه، اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له، إنك ذو وفاء وذمة، هذا ورد نحوه في حديث أبي هريرة عند أبي داود (٣٢٠٠) أن رسول الله دعا في الصلاة على الجنازة فقال: «اللهم أنت ربها وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئناك شفعاء فاغفر له».

السادس: في شرح بعض الكلمات الواردة في هذا الدعاء: قوله: «له الملك»؛ هو عبارة عن التصرف في خلقه بالهداية والإضلال، والثواب والعقاب، وغير ذلك، وقوله: «نستجير بحبل جوارك»؛ المراد بالحبل هنا العهد والميثاق، كان الواحد من العرب إذا أراد سفرا وخاف على نفسه؛ أخذ عهدا من سيد كل قبيلة، يستجير به ما دام في حدودها، فكيف بمن استجار بالله تعالى، وهو مالك الملك؟، أي نطلب منك الإجارة والأمن متمسكين بوعدك، وقوله «إنك ذو وفاء وذمة»؛ أي صاحب عهد ووفاء، قال تعالى: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [الروم: ٦]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١١١].

وقوله: «وأكرم نزله»، النزل بضمتين؛ ما يعد للنزيل والضيف من القرى بكسر الراء، أي اجعل نزله حسنا كريما، قال تعالى: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١)[فُصِّلَت: ٣١]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (١٠٧)[الكهف: ١٠٧].

وقوله: «وسع مدخله»؛ يعني وسع موضع دخوله، وسعة موضع الدخول مشعرة بسعة ما بعده من موضع الإقامة، وهو القبر فيفسح له فيه، وقوله: «واغسله بالماء والثلج

<<  <  ج: ص:  >  >>