الوسائل ما هو أقوى في الإثبات؛ تعين علينا الانتقال إليه، مع ما هو معروف من الفرق بين رؤية الشخص الواحد التي تحتمل من الخطإ والغلط ما لا تحتمله حسابات الفلكيين في هذا العصر، وأن الذين يستبعدون علم الفلك بإطلاق من هذا الأمر يتناقضون، فإننا لا نعلم من يراقب الظل ليثبت وقت الظهر حين يشرع الفيء في الزيادة، ولا من يراقبه ليعلم وقت العصر بزيادة الظل على القامة بعد ظل الزوال، وحتى غروب الشمس قل من يرقبه لإثبات وقت المغرب مع يسر ذلك، والواقع في هذا عامل بحساب الفلكيين في بعض الأحكام الشرعية تارك لبعضها فهو متناقض، فإما أن يعمل بأقوال الفلكيين وإما أن يتركها.
وقد قال الشيخ رشيد رضا في تفسيره المنار (٢/ ١٨٨): «وأما هذا الاختلاف وترك النصوص في جميع المواقيت عملا بالحساب، ما عدا مسألة الهلال؛ فلا وجه ولا دليل عليه، ولم يقل به إمام مجتهد، بل هو من قبيل: «أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض»، انتهى.
قال كاتبه: إذا لم يقل بهذا إمام مجتهد؛ فقد قاله رسول رب العالمين ﷺ، فلندع كل قول غير قوله، ثم إن العمل بحساب الفلكيين في إثبات أوائل الشهور؛ ليس كالعمل بحسابهم في بيان وقت طلوع الفجر وغروب الشمس ومغيب الشفق، لأن هذا مرتبط بحركة الشمس الظاهرة ودوران الأرض حولها، وهو أمر لا يرتاب من له أدنى اطلاع في أنه لا يتخلف، فمن عرف طلوع الشمس متى كان يوم أمس في بقعة ما من الأرض؛ يمكن أن يجزم بوقت طلوعها في اليوم الموالي في تلك البقعة إذا أخذ في الاعتبار الاتجاه الذي يأخذه الليل والنهار أهو نحو الزيادة أو نحو النقصان، بل إن معرفة ذلك في يوم ما من العام؛ تكفي لمعرفته في غيره من الأعوام في نفس البقعة واليوم إذا لم يطرأ عليها تغير بالارتفاع والانخفاض، أما الهلال فلا يمكن انضباط أمره، فإنه يظهر في نهاية هذا الشهر في موضع، ونهاية شهر آخر في موضع غيره، ويرى أحيانا نهاية الشهر بعد الغروب على ارتفاع ما عن الأفق، ونهاية شهر آخر على ارتفاع أدنى أو أعلى، ويرى في موضع من الأرض، ولا يرى في موضع آخر منها، وما قالوه بأنه متى رؤي في بلد من المشرق فلا بد أن يرى في بلد إلى الغرب منه ليس على إطلاقه إذا اختلفت خطوط العرض.