قال ابن تيمية ﵀:«فإن الله سبحانه لم يجعل لمطلع الهلال حسابا مستقيما، بل لا يمكن أن يكون لرؤيته طريق مطرد إلا الرؤية»، انتهى، وهذا الذي قاله العلماء الربانيون منذ قرون قد علمت مصداقه في هذا العصر.
وأذكر أن مولود قاسم وزير التعليم الأصلي والشؤون الدينية وكان من المتحمسين لاعتماد الحساب في إثبات أوائل الشهور القمرية؛ التقى بالمجلس الإسلامي الأعلى لتدارس هذا الأمر، وكان الشيخ سعيد الصالحي من الرافضين له، فلما نظر إلى الساعة وقال إن وقت العصر قد دخل؛ قال له الوزير: هل راقبت الظل؟، كيف تعتمد على الفلكيين في إثبات أوقات الصلوات، ولا تعتمد عليهم في إثبات الصيام، والصلاة أعظم منه؟، وظن الوزير أن الشيخ محجوج، لأنه سكت، وليس الأمر كما ظن رحمهما الله، وقد علمت الفرق.
وليس ببعيد أن يؤخذ عدم انضباط الهلال بقاعدة مطردة في إثباته من قول النبي ﷺ:«إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة، والشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، يعني تمام ثلاثين»، رواه الشيخان عن ابن عمر، إذ ليس المراد من الحديث نفي الكتابة والحساب عن الأمة بإطلاق.
ولا يستقيم أن يكون المراد بالأمة ما قاله الحافظ من أنهم «أهل الإسلام الذين بحضرته عند تلك المقالة، وهو محمول على أكثرهم، أو المراد نفسه ﷺ»، انتهى، وقد قاله ابن بزيزة أيضا كما في شرح الأبي، لأنه يشعر أن عدم الاعتماد على الحساب معلل بافتقاد الحاسبين والكاتبين وقد توفروا الآن، بل الغرض نفي الاعتماد على علم الفلك بالخصوص في إثبات بداية صوم رمضان وفي الإفطار منه لما تقدم، وكذا بقية الشهور فإن الله تعالى أخبر أنه جعل الأهلة مواقيت للناس.
ولا يستقيم أن يقال إن المسلمين لم يكن فيهم يومئذ علماء فلك، وقد توفروا الآن والحمد لله، لأن النبي ﷺ نفى الكتابة والحساب عن الأمة، وهو يتكلم عن أمته قاطبة، وقد كان فيها يومئذ الكاتبون والحاسبون، وإن كانوا قلة، ثم إن قوله ﷺ:«إنا أمة أمية،،،»؛ يتعذر أن يراد به نفي الكتابة والحساب عن الأمة في كل شيء، فإنه ﷺ كما أخبر عنه ربه؛