والشارب والمجامع يلتقون على انتهاك حرمة رمضان، وهو ما يعرف عند أهل الأصول بتنقيح المناط، نعم إن قوله في الحديث أفطر؛ لا عموم فيه لأنه في سياق الإثبات، وإنما يكون عاما على اختلاف فيه لو كان في سياق النفي، وقد علمت أن العمدة الإطلاق من الراوي مع ما يدعمه من التنقيح، وقد جاء هذا الحديث من غير الوجه المذكور مستقصى مجودا عند أحمد والشيخين وأصحاب السنن، وفيه قول النبي ﷺ:«هل تجد ما تعتق به رقبة»؟، قال:«لا»، قال:«فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين»؟، قال:«لا»، قال:«فهل تجد ما تطعم به ستين مسكينا»؟، قال:«لا»، ثم جلس، فأتي النبي ﷺ بعرق فيه تمر، فقال:«تصدق بهذا»، فقال:«أعلى أفقر منا»؟، فضحك النبي ﷺ حتى بدت أنيابه، ثم قال:«اذهب فأطعمه أهلك»، والعرق بفتح العين والراء الزبيل بفتح الزاي ويقال له الزنبيل وعاء يسع خمسة عشر صاعا، وهي ستون مدا، والظاهر أن القصة واحدة، فيحمل مطلق الإفطار على المقيد وهو الجماع، فيؤخذ من الحديث أن الكفارة إنما هي على المجامع، فإن صح إلحاق المفطر بغير الجماع بالمفطر بالجماع قياسا؛ فذاك، والنفس إليه أميل، والتفصي بعدم القياس في العبادات فيه شيء، كما يؤخذ منه وجوب ترتيب خصال الكفارة فلا ينتقل إلى الثاني إلا بعد عدم استطاعة الذي قبله، لأن النبي ﷺ لم يذكر له الخصلة الثانية ولا الثالثة إلا بعد سؤاله عن قدرته على التي قبلها، وهو قول ابن حبيب، وابن العربي.
وقد روي عن مالك في غير الموطإ النص الذي فيه الترتيب، كما ذكره الأبي في شرحه لصحيح مسلم، ولمن قال بعدم الترتيب متمسك في حديث عبد الله بن معقل في رواية لمسلم في قصة كعب بن عجرة حيث قال: أتجد شاة؟، فسأله عن استطاعته ذلك، مع أن التخيير نص الحديث الصحيح، لكن يقال إن هناك فرقا بين فدية الأذى وكفارة الجماع، فإن التخيير في الأولى نص القرآن والحديث الصحيح معا، أما الثانية فالمعتمد فيها الحديث وحده، مع وضوح الفرق بين سببيهما، فإن حالق الرأس للأذى معذور، ومنتهك حرمة رمضان موزور، والتخيير تخفيف يناسب الخفيف، والترتيب تشديد يناسب الشديد، والله أعلم.