للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأس القائل به من أنه يلزم منه التمثيل، والتمثيل لا يختلف المسلمون في نفيه، ولذلك فإن ما يعللون به لجوءهم إليه من أنه طلب للتنزيه لا يمضي، والظاهر أن وراءه عدم قبول عقولهم لمعاني الألفاظ قياسا منهم لعالم الغيب على عالم الشهادة، فهم أسرى الحس، راموا الخروج من ذلك بالتاويل الذي هو في الحقيقة تعطيل.

وفي شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد خليل هراس: «إن السلف لم يكونوا يفوضون علم المعنى ولا كانوا يقرؤون كلاما لا يفهمون معناه، بل كانوا يفهمون معاني النصوص من الكتاب والسنة ويثبتونها لله ﷿، ثم يفوضون فيما وراء ذلك من كنه الصفات وكيفياتها»، انتهى، وينبغي أن يعلم أن نفي العلم بالكيفية ليس نفيا للكيفية، ومع هذا فينبغي التفريق بين من اتخذ التأويل منهجا، ومن قال به في بعض الأمور عرضا، إذ رأينا بعض من يرفضه قد يبدر منه في شيء من النصوص، وقد كان هذا هو منهج متقدمي الأشاعرة، ثم توسع متأخروهم فيه، ومع هذا فالحق ترك ذلك كله، فإنه مما لا يعني الإنسان، قال ابن أبي العز في شرح معنى إحاطة الله بكل شيء: «وليس المراد من إحاطته بخلقه أنه كالفلك، وأن المخلوقات داخل ذاته المقدسة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وإنما المراد إحاطة عظمته، وسعة علمه وقدرته … »، انتهى.

قلت: إن كان هذا تأويلا فهو مما أجمعت الأمة على القول به، فلا يبقى فيه حجة لمن اتخذ التأويل منهجا، كإجماعهم على معنى المعية في آية سورة المجادلة لأنها معية علم.

ويحسن أن يذكر هنا حديث أبي سعيد الخدري قال كنا جلوسا ننتظر النبي فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، قال: فقمنا معه، فانقطعت نعله، فتخلف عليها علي يخصفها، فمضى رسول الله ومضينا معه، ثم قام ينتظره، وقمنا معه، فقال: «إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال: «لا، ولكنه خاصف النعل»، يعني عليا (١).


(١) رواه أحمد والحاكم وأبو يعلى، وهو في «الصحيحة» الحديث (٢٤٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>