الحياة تزداد فسادا وتنكبا، فلا هم أهل لما تكلموا فيه، ولا تكلموا بالحق لو قدرنا أنهم أهل.
وقد كنت كتبت شيئا عن هذا في كتابي المخرج من تحريف المنهج غداة ظهور نابتة هذه التي أساءت إلى منهج السلف، وهو بريء مما أحدثوه فيه، نبهت على ذلك والأمر ما يزال في المهد، وصرحت فيه أن الذي نعيشه هو ملمح فرقة جديدة من الفرق، أما الآن فقد اتضحت معالمها، وارتفعت رايات فلولها، وجد أفرادها في محاربة السنة بدعوى الحفاظ عليها، وتفريق الأمة بزعم تنقية صفوفها، فوسموا كل من خالفهم من أهل السنة بما سموه بالتمييع، وصاروا يأمرون أتباعهم بهجران غيرهم ممن لم ينخرط في جماعتهم، ويعقد لها ولزعمائها الولاء من دوئ بقية المؤمنين، وينتدبون وكلاء عنهم يبلغونهم الأخبار، ويجمعون لهم والله الأسرار، ويأمرون بقطع المسافات الطوال، وصرف الأموال ليمنعوا الناس من حضور مجلس فلان، أو درس فلان، لأنه غير مزكى في زعمهم، أو لأنه من الجماعة الفلانية، أو لأنه مشارك في جمعية، أولا يأتي لزيارة فلان، أعطوا لأنفسهم منزلة فوق منزلة الحاكم، مع زعمهم أنهم يسلمون له، ولا يفتاتون عليه، يحرص بعضهم والله على وحدة الجماعة المتحزبة أكثر من حرصه على الحق، وأعظم من حرصه على جماعة المسلمين، يأخذون على غيرهم أن يؤسس جمعية لخدمة غرض مشروع، تمنعه الدولة إلا من هذا الطريق، بزعم أن ذلك حزبية، وهم والله حزب إلا أنه غير معتمد، ثم هم يمارسون هذا الغرض من غير إذن الحاكم، ومن غير جمعية، وقد يتسترون وراء جمعيات مشبوهة، فهم في أمر مريج، والله يرد كيدهم ويبطل مكرهم.
بلغ بهم الأمر أن لا يقولوا كلمة ينصحون بها، أو يبينون بها حقا في شأن الأمة، لا في كبير المنكر ولا في صغيره، يسكتون عما تتعرض له في دينها ولغتها وسائر مقومات شخصيتها، لا ينبسون ببنت شفة، حتى صارت هذه الأمور نهبا للمفسدين الماكرين، والعلمانيين المارقين، والمبتدعة الضالين، يسكتون عن هؤلاء أفرادا وهيآت، فلا تحس منهم من أحد، ولا تسمع لهم ركزا، كل هذا يبرره زعم أن ذلك طريق إلى الخروج على الحاكم، عطلوا كل نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جانبه، ولم يفرقوا بين