وعرف في السنة الحُدَاء بضم الحاء وهو الإنشاد لدفع الإبل إلى الإسراع في السير، وقد كان له ﷺ حاد يقال له أنجشة فَتَعْنَقُ الإبل إذا حَدَا، فقال له:«رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير»، وهو في الصحيح عن أنس، وفيه أيضا أن الشاعر عامر بن الأكوع حدا بالقوم في سيرهم إلى غزوة تبوك بقوله:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا … ولا صمنا ولا صلينا
فألقين سكينة علينا … وثَبِّتِ الأقدام إن لاقينا
قال الحافظ في الفتح (١٠/ ٥٣٨): «ويلتحق بالحداء هنا الحجيج المشتمل على التشوق إلى الحج بذكر الكعبة وغيرها من المشاهد، ونظيره ما يحرض أهل الجهاد على القتال، ومنه غناء المرأة لتسكين الولد في المهد»، انتهى.
ومما جاء فيه أيضا قول أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-: «دخل عَلَيَّ النبي ﷺ وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش، وحَوَّلَ وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان عند النبي ﷺ»؟، فأقبل عليه رسول الله ﷺ فقال:«دعهما»، فلما غفل غمزتهما فخرجتا»، رواه الشيخان، لم ينكر النبي ﷺ تسمية الغناء مزمار الشيطان، وإنما أقرهما لأنهما جاريتان ليستا مكلفتين، مع أنه أعرض عنهما، وكان اليوم يوم عيد، والكلام فيما جرى يوم بعاث، وهو موضع حصلت فيه آخر الحروب بين الأوس والخزرج، فهذه أمثلة تدل على الجواز وهي كما ترى محدودة صادرة في الغالب عن أفراد غالبا، مربوطة بأغراض معينة، فمن فعلها فلا حرج عليه.
وإنما تعتمد تلك القيود التي مرت بك؛ لما جاء مما يدل على المنع، قال تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ (٦٤)﴾ [الإسراء: ٦٤]، وقد روى ابن جرير وغيره عن مجاهد قوله في تفسير الآية:«استنزل من استطعت منهم بالغناء والمزامير واللهو والباطل، ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾، قال: «كل راكب وماش في معاصي الله، ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ كل مال أخذ بغير طاعة الله تعالى، وأنفق في غير حقه، والأولاد أولاد الزنا»، انتهى، قال القرطبي: «في الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو لقوله: