إن شاء الله، وقد ضاق به من أئمة المسلمين أمثال مالك وغيره، وقال القرطبي ﵀ بعد أن حكى خلاف أهل العلم في مشروعية التطريب:«وهذا الخلاف إنما هو ما لم يفهم معنى القرآن بترديد الأصوات وكثرة الترجيعات، فإذا زاد الأمر على ذلك حتى لا يفهم معناه فذلك حرام باتفاق كما يفعل القراء بالديار المصرية الذين يقرءون أمام الملوك والجنائز، ويأخذون على ذلك الأجور والجوائز، ضل سعيهم، وخاب عملهم، فيستحلون بذلك تغيير كتاب الله، ويهونون على أنفسهم الاجتراء على الله، بأن يزيدوا في تنزيله ما ليس فيه، جهلا بدينهم ومروقا عن سنة نبيهم، ورفضا لسير الصالحين فيه من سلفهم، ونزوعا إلى ما يزين لهم الشيطان من أعمالهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فَهُمْ في غيهم يترددون، وبكتاب الله يتلاعبون، فإنا له وإنا إليه راجعون، لكن قد أخبر الصادق أن ذلك يكون، فكان كما أخبر ﷺ»، انتهى.
ومن الأخبار التي جاءت في هذا المعنى قول النبي ﷺ:«اقرؤوا القرآن وابتغوا به الله تعالى، من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه»، رواه أحمد وأبو داود، والقدح بكسر القاف هو السهم، وهو كناية عن العناية الشديدة بألفاظه وأدائه، وهذا أمر محمود إذا كان من غير تكلف، وأريد به وجه الله، أما الجمع بين المبالغة في العناية بألفاظه وبين ابتغاء مصلحة الدنيا فهذا أوغل في الذم، قال المناوي:«فمن أراد به الدنيا فهو متعجل، وإن ترسل في قراءته، ومن أراد به الآخرة فهو متأجل وإن أسرع في قراءته بعد إعطاء الحروف حقها»، انتهى، وقال النبي ﷺ:«اقرؤوا القرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به»، رواه أحمد والطبراني عن عبد الرحمن بن شبل، قال في النهاية:«أي تعاهدوه، ولا تبتعدوا عن تلاوته»، انتهى، والغلو التشدد ومجاوزة الحد، والنهي عن الغلو فيه يشمل التقعر في أداء ألفاظه كما نراه اليوم، وكذا تحميل لفظه ما لا يحتمله من المعاني ولو كانت صحيحة في نفسها، وجاء في هذا المعنى قول رسول الله ﷺ:«إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها»، رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عمرو، والباقرة هي البقرة، ومعناه كما قال في النهاية: «هو الذي يتشدق بالكلام ويفخم به لسانه، ويلفه كما تلف البقرة الكلأ