للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٥٠)[الأنفال: ٥٠]، فهذا عذاب للكفار عند الوفاة، وفي حديث أبي هريرة وقد سبق طرف منه، أنه يقال للأرض التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك» (١).

وأما المؤمنون الموحدون؛ فيدل على تعذيب بعضهم قول النبي : «لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر» (٢)، ووجه الدلالة منه أن المؤمن إنما يدفُن المؤمن غالبا، وقد يدفن الكافر أيضا، فلو كان المؤمن لا يعذب لزال المانع من دعائه بإسماعهم من عذاب القبر، لكن عذاب بعض الموحدين في القبر عذاب مؤقت، وهو من رحمة الله تعالى بهم، حتى يخلصوا إلى الحساب وقد خفت عنهم سيئاتهم، أو غفرت لهم بالكلية.

وعن ابن عباس عن النبي أنه مر بقبرين يعذبان، فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين، ثم غرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟، فقال: لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا» (٣)، وهو حجة في تعرض بعض الموحدين لعذاب القبر.

نعم قد اختلف في صاحبي القبرين: هل هما مسلمان أو كافران، والصواب: الأول، كما بينه الحافظ ابن حجر، بل الحديث نفسه دال على ذلك، إذ كيف يصنع النبي ما يخفف عن الكافر وقد أمر المار بقبر الكافر أن يبشره بالنار؟، والظاهر أن ذلك سنة ولبس خاصا به، ولأن عذاب الكافرأولى أن يكون على كفره، وإنما حسابه على ما دون كفره زيادة في وزره على القول بأنهم مكلون بفروع الشريعة.

واعلم أن سماع عذاب القبر ليس بمستحيل في العقل، فقد ثبت أنه يسمعه ما عدا


(١) رواه الترمذي (١٠٧١).
(٢) رواه مسلم (٢٨٦٨).
(٣) متفق عليه: البخاري (٢١٨)، ومسلم (٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>