للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ينظر فيه ليستعان به على تحقيق هذا المقصد العظيم الذي يندرج فيما خصت به هذه الأمة المرحومة، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس منه هذا الذي قلد فيه كثير من المسلمين الكفار وتشبهوا بهم فيه في جملة ما تشبهوا بهم وهو كثير، من ذلك الكلام العنيف الموجه إلى الحكام بأسمائهم والإضرابات والمظاهرات وما يسمى بالاعتصامات والعصيان المدني، فهذا من التشبه بالكفار وقد نهينا عن ذلك، قال النبي : «من تشبه بقوم فهو منهم» (١)، وأقل ما يدل عليه هذا الحديث حرمة ذلك كما قال ابن تيمية ، والنهي عن التشبه بهم من المتواتر المعنوي في السنة، والفعل المذكور فوق ذلك من الذرائع إلى الفساد، وهو تعطيل المصالح وإتلاف الأموال وإزهاق الأرواح وانتهاك الأعراض وذهاب ريح الأمة وافتقارها إلى مساعدة الكفار كما عشناه ونعيشه.

والاحتجاج بما حصل في الصدر الأول من خروج بعض السلف على الحكام لا ينهض دليلا على مشروعية هذا الخروج، فإننا مطالبون بإرجاع ما تنازعنا فيه إلى الكتاب والسنة، كما قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)[النساء: ٥٩]، وقد استثني في حديث عبادة بن الصامت المتقدم الكفر البواح، وفي رواية: «ما أقاموا الصلاة» (٢)، ثم إن السلف لم يتفقوا عليه، بل كان معظمهم على خلافه، وقد اعتزل القتال بين علي ومعاوية كثير من خيارهم مع أمر الله تعالى بقتال الئة الباغية، وقد هلمت بخبر النبي .

أقول هذا مع أن البَوْن واسع والفرق شاسع بين فسق الأمس وفسق اليوم، فقد وقع معظم حكام المسلمين في البلية العظمى، والرزية الكبرى، التي هي من أكبر الكبائر، وهي تبديل الشرع بتقنين المحرمات، أو تحريم المباحات، وجعل ذلك شريعة للناس، ومن لم يفعل الكثير فعل القليل، كالربا، والزنا، وشرب الخمر، والميسر، والغناء، والاختلاط، والعري، ومنع تعدد الزوجات، وتزويج المرأة بغير وليها، وإسناد وظائف لها لا يصح أن


(١) رواه أبو داود عن ابن عمر .
(٢) رواه مسلم (١٨٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>