والقفا ما وراء العنق، والآثار جمع أثر، وهو في الأصل ما يخلفه الشيء من علامات تدل عليه، والمراد هنا ما بلغنا عن السلف من الأقوال والأعمال في مجال العبادات والمعاملات وفهم نصوص الكتاب والسنة ونحو ذلك، والاقتفاء من حيث اللغة أخص من الاتباع، فهو يدل على مزيد من التمسك بآثار السلف، ولعل هذا هو وجه ذكر المؤلف له بعد الاتباع.
والذي ذكر هنا هو الأمر الثالث والرابع مما نحن مطالبون به إزاء السلف الصالح، وهو مرتب على ما تقدم من اعتقاد أفضليتهم، والكف عما شجر بينهم، والتماس أحسن المخارج لما نقل إلينا عنهم، فإن من اعتقدت أفضليته أحببته، وإذا أحببته اتبعته، وإذا ذكرته ترحمت عليه واستغفرت له.
واتباع السلف فيه تفصيل، فإنهم إذا أجمعوا على شيء فلا تحل مخالفتهم، فإن العلماء قد اختلفوا في حصول الإجماع، لكنهم اتفقوا على وقوع إجماع الصحابة ولزومه، وإذا قال الواحد منهم قولا فإن كان مرفوعا تصريحا فهو سنة وحكمها معروف، وإن كان موقوفا فإما أن يكون مما لا يقال بالرأي فحكمه حكم المرفوع، إلا أن يكون ممن علم أخذه عن أهل الكتاب فيتوقف فيه لا فرق بين ما ارتبط يتفسبر وغيره، وإما أن يكون موقوفا فإن اشتهر ولم يعلم له مخالف من الصحابة اتبع ولا بد، وإن لم يشتهر ولم يعلم له مخالف، فالراجح القول به، وإن علم له مخالف فموضع نظر وترجيح، لكن لا يجوز في حالة اختلافهم إحداث قول زائد في مسألة لهم فيها قولان أو أكثر كما عليه جمهور أهل الأصول.
وكان بعض أئمة الهدى يتخير من مذاهب الصحابة ولا يرى لزوم واحد بعينه، وينسب هذا لأحمد بن حنبل ﵁، وبعضهم يرى الاجتهاد حينئذ وهو المنقول عن مالك بن أنس ﵁، وقد فصل ابن القيم في إعلام الموقعين الكلام في هذا الموضوع فارجع إليه إن شئت.
وما ذكره المؤلف ﵀ في هذه الفقرة بعضه إنما يخاطب به أهل العلم إذ العامة لا