للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا رجعت إلى كتاب الله ألفيت الجدال منهيا عنه، أو مأذونا فيه بقيد التي هي أحسن، والشيء إذا أذن فيه مقيدا دل ذلك والله أعلم على أن الأصل فيه عدم المشروعية، وإنما أجيز للحاجة، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦]، وقال تعالى: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥]، وقال تعالى: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ [الكهف: ٢٢]، فالجدال وإن احتيج إليه أحيانا؛ فليس عليه المعول، ومن تفقه في الأحكام نفر من الخصام ومسبباته، وتشوف إلى الوفاق ومقتضياته، فإن اضطر إليه خاصم في الله، ولا يكون ذلك إلا بعد العلم بأحكام الله، وحسبك أن عبد الله بن مسعود قال: «أكره الخلاف»، ووصف الله تعالى الكفار بقوله: «بل هم قوم خصمون»، أي شديدو التمسك بالخصومة واللجاج مع ظهور الحق.

وقد رُويَ من حديث أبي أمامة عن النبي أنه قال: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أورثوا الجدل» (١)، ثم تلا رسول الله هذه الآية: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨)[الزخرف: ٥٨]، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤]، قيل إنه الشديد الخصومة، قال القرطبي: والمعنى أشد المخاصمين خصومة، أي هو ذو جدال إذا كلمك وراجعك رأيت لكلامه طلاوة وباطنه باطل، وهذا يدل على أن الجدال لا يجوز إلا بما ظاهره وباطنه سواء»، انتهى.

وقال : «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» (٢)، قال ابن كثير: الألد في اللغة الأعوج: ﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾، أي عوجا، وهكذا المنافق في حال خصومته، يكذب ويَزوَر (يميل) عن الحق ولا يستقيم معه، بل يفتري ويفجر، ثم ذكر الحديث المعروف في خصال المنافق.

قال أبو مصعب بن عبد الله الزبيري:

أأقعد بعدما رجفت عظامي … وكان الموت أقرب ما يليني؟


(١) رواه أحمد (٢٢١١٦٤)، والترمذي (٣٢٥٣).
(٢) رواه البخاري (٢٤٥٧) ومسلم عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-.

<<  <  ج: ص:  >  >>