للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجادل كل معترض خصيم … وأجعل دينه غرضا لديني؟

فأترك ما علمت لرأي غيري … وليس الرأي كالعلم اليقين!

وقد قضى بعض أرباب الكلام شطرا كبيرا من نشاطهم في التنظير والتقعيد للجدال، فلم يرجعوا منه بطائل، ولا حصلوا منه على نائل، فكان أن تخلى بعضهم في أخريات حياتهم عن ظلام الجدال، وحصيلة القيل والقال، وزبالة الآراء، وزيف الأفكار، إلى نور النصوص وهديها، أو تفطنوا لذلك بعد فوات الأوان، وإنما أثبت هاهنا شيئا مما قالوه عن علم الكلام حتى يكون في ذلك مقنع لمن يظن أن إنكار الكلام ممن أنكره إنما كان لأنه جهله.

قال ابن رشد الحفيد وهو من أعلم الناس بمذاهب الفلاسفة ومقالاتهم، في كتابه تهافت التهافت: «ومن الذي قال في الإلهيات شيء يعتد به؟»، يقصد من الفلاسفة، وحسبك أن تعلم أن أبا حامد الغزالي وهو من هو في هذا الأمر قد انتهى إلى الوقف والحيرة في المسائل الكلامية، ثم أعرض عن تلك الطرق، وأقبل على أحاديث الرسول ، حتى قيل إنه مات وصحيح البخاري على صدره، ومما قاله في كتابه إحياء علوم الدين، وهو من جملة ما فيه من الحق قال: «وأما منفعته (يقصد الكلام) فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه وهيئتها فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، ولعل التخبيط والتضليل أكثر من الكشف والتعريف، قال: وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوي (!!) ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا، فاسمع هذا ممن خبر الكلام، ثم قاله بعد حقيقة الخبرة، وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين، وجاوز ذلك إلى التعمق في أمور أخرى سوى نوع الكلام، وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود، ولعمري لا بنفك الكلام عن كشف وتعريف وإيضاح لبعض الأمور، ولكن على الندور.

وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في الكتاب الذي صنّفه وهو أقسام الذات:

نهاية إقدام العقوق عقال … وأكثر سعي العالمين ضلال

<<  <  ج: ص:  >  >>