وأرواحنا في وحشة من جسومنا … وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا … سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن: اقرأ في الإثبات: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: ١٠]، واقرأ في النفي ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]، ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠]، ثم قال:«ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي».
وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم الشهرستاني:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها … وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر … على ذقن أو قارعا سن نادم
وقال الحافظ في الفتح، في شرح باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ:«وقد توسع من تأخر من القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلا يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرها، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه هو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف، واجتنب ما أحدثه الخلف، وإن لم يكن له منه بد؛ فليكتف منه بقدر الحاجة، ويجعل الأول المقصود بالأصالة، والله الموفق»، انتهى.
وما أحسن ما ختم به الإمام أبو محمد بن أبي زيد ﵀ هذه العقيدة وهو ذكره أن ترك المبتدعات واجب على العموم من غير استثناء، ذلك أن إقامة السنة لا يتم إلا بترك البدعة، كما أن التوحيد لا يكون إلا بترك التنديد، وقد وافق في هذا الختام ما في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره عن العرباض بن سارية وقد تقدم، فإنه ﷺ بعد أن أوصاهم بتقوى الله والسمع والطاعة لأولياء الأمور، وأخبرهم بوقوع الخلاف الكثير، بين لهم ما