المعروفين بالميل إليه، والعمل بما يقتضيه، كابن عبد البر، والباجي، وابن العربي، فأقوال هؤلاء وأمثالهم لا تذكر في كتب المتأخرين إلا مشفوعة بالتضعيف غالبا لا لشيء، إلا لأن أصحابها يتبعون الدليل».
وفي المقابل فقد أنبه على الأقوال التي هي على خلاف الدليل الصحيح غير المعارض بحسب ما تبين لي، وإن كانت مشهورة في المؤلفات ولا سيما المتأخرة، وقد أنبه إلى ما في بعض الشروح من الأحاديث الضعيفة، وما بني على ذلك من الأحكام.
واعلم أن فقه مالك بن أنس ﵀ قد تعرض للجمود منذ قرون بحيث هجر معظم المدرسين والمؤلفين الدليل، بل أصبح ذكر الدليل عيبا عند بعض الناس، لأن فيه تطاولا كما ظنوا على العلماء، ولا تستبعد هذا، فقد قال بعض الحنفية إن من قرأ صحيح البخاري فقد تزندق، وزعم بعضهم أن اتباع ظاهر القرآن يؤدي إلى الكفر.
ومن العجب أن يقول الشيخ أبو عبد الله عليش ﵀:«ونظرنا في الأدلة فضول، إذ وظيفتنا محض التقليد»!!، انتهى، بل سمعت يعضهم هذه الأيام يقول مسترضيا هؤلاء الذين يرفعون عقيرتهم بما سموه المرجعية الوطنية التي يتغطون بها بمحاربة السنة في مجلس عام:«إذا قال مالك فما الحاجة إلى الدليل»؟، وقد تحسن هذا الوضع عند فئة من الناس فاعتدلوا فقبلوا بعلم وردوا بعلم، وهذا هو الحق، وفرط آخرون فتنكروا لهذا التراث الفقهي جملة، وزعموا أن العناية به بدعة، وتجد بعضهم إذا رأى الحاجة ماسة إلى ذكر الدليل ذكر في طوايا كلامه ما يشبه الاعتذار.
قال الشيخ محمد الشيباني بن محمد الشنقيطي في مقدمة شرحه تبيين المسالك: «وأذكر أن بعض المتشبثين بالفروع لا يرون أي فائدة لذكر الدليل، وحجتهم في ذلك أن الذين دونوا الفروع أعلم بالدليل الأصلي من غيرهم، وهم مؤتمنون، ويرى بعضهم أن البحث عن الدليل ربما ينافي الأدب معهم، ويرى أن ذلك أمر يخص المجتهدين وحدهم، وليس ذلك بمسلم، لأن البحث عن الدليل لا يستلزم القدح في المجتهد، ولا يستلزم الاجتهاد، وإنما من قبيل التبصر الذي هو التطلع على الدليل مع التمسك بالفروع، ليكون المقلد مطمئنا على ما هو عليه بما اطلع عليه من الدليل.